كيف تم إفشال انقلاب الناصريين على نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح؟؟
تعرض الرئيس علي عبدالله صالح لمحاولة انقلاب أحبطت في مراحلها الأخيرة، وقف وراءها التنظيم الناصري بجناحيه المدني والعسكري"
الأول / متابعات خاصة:
يعاني التاريخ اليمني المعاصر من الكثير من الفجوات، إذ ثمة محطات تاريخية لم يتم التوقف عندها بعمق، ولم يتم تناولها من مصادرها المباشرة، ومنها وصول الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى السلطة
هذا الانقلاب لايزال يكتنفه الغموض، وخاصة من زاوية كيف تم إحباطه مع أن الانقلابيين قد سيطروا على كامل مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء، وكان الانقلاب في مراحله الأخيرة من النجاح، وقد مررت على هذا الحدث مرورا عابرا في كتابي "الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن من التحالف الى التنافس" وهو الكتاب الذي ارخت فيه لأبرز الاحداث في تلك الفترة، فأشرت في صفحة 67، أنه "وفي منتصف أكتوبر 1978م، تعرض الرئيس علي عبدالله صالح لمحاولة انقلاب أحبطت في مراحلها الأخيرة، وقف وراءها التنظيم الناصري بجناحيه المدني والعسكري" انتهى.
وقد سنحت لي الفرص باللقاء مع الرجل الذي تصدى لهذا الانقلاب وتمكن من إفشاله ذلك هو الفريق الركن "علي محسن الأحمر"، وقد دار بيننا نقاش حول السياق الذي حدث فيه الانقلاب، وطبيعة الإعدادات التي سبقته، والوحدات العسكرية التي شاركت فيه، وكيف تمكن الفريق الركن علي محسن الأحمر وعدد من القيادات العسكرية والأمنية الموالية للرئيس السابق "علي عبدالله صالح" من مواجهة هذا الانقلاب وإفشاله بالرغم من سيطرته على كل المرافق والمناطق الاستراتيجية التي سيطر عليها الانقلابيون طوال ليلة الانقلاب.
وإليكم ملخص لسردية الانقلاب تم استخلاصها من حديث مع الرجل الذي قاد عملية إفشال الانقلاب:
خلفية الانقلاب
كان الوضع العسكري والأمني في شمال اليمن يتسم بدرجة عالية من الهشاشة، فقد تم الانقلاب على الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني، وبعده بسنوات تم اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وبعده بأشهر تم اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، كما لم يمضِ على تقلد رئاسة البلد من قِبَل الرئيس علي عبدالله صالح سوى 90 يوماً في ظل حرب مشتعلة مع الجبهة الوطنية المدعومة من النظام في جنوب اليمن.
والانقلاب الناصري كان في الأساس معداً ضد الرئيس الغشمي، انتقاماً منه، لكن اغتياله من قبل النظام في الجنوب عبر الحقيبة الملغومة جعل هذا الانقلاب موجهاً إلى الرئيس علي عبدالله صالح الذي لم يمض عليه في الحكم أكثر من ثلاثة أشهر فقط.
الوحدات العسكرية التي شاركت في تنفيذ الانقلاب
شاركت (10) وحداتٍ عسكريةٍ في الإنقلاب، وهي الوحدات الأقوى في جيش الجمهورية العربية اليمنية آنذاك، وقد مثلت تلك الوحدات دعائم الانقلابِ وأخطرَ أدواته، وهي:
اللواء الخامس مشاه بقيادة الرائد نصار علي حسين الجرباني.
الشرطة العسكرية بقيادة الرائد محسن أحمد فلاح.
وحدات الأمن المركزي بقيادة عبدالله صالح الرازقي.
العمالقة بقيادة محمد عبدالله الشريف.
اللواء السابع مدرع بقيادة محمد السنباني.
الكلية الحربية.
مدرسة المظلات.
الحرس الجمهوري (حرس الشرف)، بقيادة محمد صلاح الهمداني
الأمن العام، بقيادة الرائد عبد الملك السياني.
قوات الاحتياط، بقيادة علي السنباني.
بالإضافة إلى القبائل الموالية للناصري من محيط صنعاء.
مخطط الانقلاب ومراحل تنفيذه
اقتضت خطط الانقلابيين السيطرة على الحكم عبر سيطرتهم على المؤسسات الاستراتيجية للدولة في العاصمة صنعاء، وهي:
القيادة العامة للقوات المسلحة
الإذاعة
مجلس الوزراء.
المطار والقاعدة الجوية.
التلفزيون.
وزارة الاتصالات
القصر الجمهوري
وزارة الداخلية
مداخل العاصمة صنعاء والشوارع الرئيسية داخل العاصمة، والمناطق الحاكمة فيها.
وتم إقناع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من قبل القوى الناصرية وأذرعها في الدولة والحكومة، بعدم حضوره زفاف شقيقه محمد صالح – قائد القوات الجوية والدفاع الجوي فيما بعد-، والذي سيقام في قرية بيت الأحمر بسنحان، وكان من المقرر إقامته في الـ14 من أكتوبر، وتم إقناع الرئيس بعدم الحضور بذريعة، أن المشائخ سيحضرون العرس، ومن الأفضل ألا يلتقي بهم في هذه الفترة حتى ولو مصادفة وألا يحرج نفسه بلقائهم وبمطالبهم باعتبارهم "قوى رجعية"، ولذا أُختيرت له زيارة إلى الحديدة، وهي ثاني زيارة رسمية له منذ توليه السلطة بعد زيارته الأولى التي كانت إلى تعز.
كما أنهم، أي الانقلابيون، توقعوا أن يحضر الموالون للرئيس من الضباط المقربين منه، العرس في سنحان، باعتباره حدثاً عزيزاً عليهم، وسينشغلون به، وهذه نقطة تترك فراغاً لصالحهم، ولذا قرروا بأن يكون موعد العرس هو توقيت تنفيذ الانقلاب، لأن الرئيس سيكون غائباً (بسبب تواجده في الحديدة) وغياب الضباط الموالين للرئيس وانشغالهم بالعرس الذي سيتم خارج صنعاء.
يقول الفريق الركن علي محسن صالح بأنهم "حاولوا أيضا إلهاءنا نحن القادة الموالين والمقربين من الرئيس علي عبدالله صالح في أثناء غيابه في الحديدة، في قضايا مختلفة، الأولى: زارني أحد زملائي في الكلية ويُدعى (علي حمود الرفيق) من بلاد الروس. دعاني مع صالح الضنين وعلي صالح عبدالله الأحمر ومحمد إسماعيل إلى عزومة غداء في منزل أحمد مطير، الذي كان مساعد الكلية عندما كنا طلاباً فيها والأقدم في دفعتنا، أما أيام التخطيط للانقلاب فقد كان قائد كتيبة في اللواء السابع، وهو ناصري الانتماء، فترددت وخالطني الشك بشأن هذه الدعوة، فاعتذرنا عن حضورها.
الثانية: افتعال مشكلة خلافية بيني وبين نصار الجرباني (يقول حاتم أبو حاتم إنه رئيس المجلس العسكري الذي شكله الناصريون لتنفيذ الانقلاب)، على قضية وهمية، واختار نصار الجرباني محمد يحيى الآنسي سكرتير الرئيس محكماً له، وطلبوا مني الاجتماع معهم مساءً بمنزل الرئيس في شعوب، غرب مصنع الغزل والنسيج، فحضرت اليوم الأول والتقينا ولم يعجبني شيء من النقاش الدائر، كونه لا يوجد قضية فلم أجده سوى مضيعةٍ للوقت لا أكثر ولا أقل، ثم تواعدنا للحضورِ مساء اليوم الثاني، ولكنني تخلفت عن الحضور، بعد أن أدركت أن هذه القضية خلقت لمجرد إلهائي أو لشيء في نفس يعقوب.
وعند السؤال حول وجود مؤشرات على الإنقلاب يقول الأحمر:
كان هناك تمرد للقبائل حصل آخر أيام فترة رئاسة الغشمي وبداية أيام الرئيس علي عبد الله صالح. فكلَّف الرئيس علي عبد الله صالح اللواء الأول مشاه بعمران مع نصار الجرباني قائد اللواء الخامس لقيادة الحملة لإنهاء التمرد في جبل عيال يزيد وعيال سريح بعمران.
توجه قائد الحملة نصار الجرباني إلى عمران، وخلال وجوده في معسكر الثورة في مقر اللواء الأول مشاه، كانت توجد مجموعة من الدبابات الخارجة عن الخدمة، فبدأ الجرباني بتجربة سلاح الآر بي جي (ميم دال – مضاد الدروع) الذي تمتلكه الحملة وضرب على الدبابات التالفة، وكان يقول متوعداً (هذا الوعد وعد الدبابات) (أي انه ستكون هناك حاجة في الأيام القادمة لاستهداف الدبابات)، في حينِ أنه لم يكن هنالك دباباتٍ لدى أيٍ من الوحدات العسكرية للدولةِ عدى اللواء الأول مدرع "معسكر السبعين" الذي كنتُ أحد قياداته (وهو اللواء الذي تصدى للإنقلاب على النحو الذي سيتم ذكره). وقد أبلغنا بهذه المعلومة النقيب مهدي مقولة قائد إحدى الكتائب في اللواء الأول مشاه، وأحد الشهود الذين حضروا موقف الجرباني ذلك.
ومن ضمن التحركاتِ أيضاً أن الانقلابيين أقنعوا الرئيس بإصدار أمر عملياتي لنقل الدبابات من القيادة العامة للقوات المسلحة إلى نقيل بن غيلان، قبيل الانقلاب بأسبوع، ونقل الدبابات التي في المطار إلى موقع أرحب - فريجه، وأنا بدوري في اللواء الأول مدرع ماطلت في تنفيذ ذلك الأمر، لأنني كنت متوجساً من مغزى هذه الأوامر، لكن ما عرفته هو أنه يُراد تفريغ هذه المواقع من القوة العسكرية للدبابات لأمرٍ ما.
تسلسل أحداث الانقلاب
ويروي الفريق الركن علي محسن الأحمر سردية الاحداث وفق التسلسل التالي:
بدأت معالم الانقلابِ تحدثُ وبوضوحٍ في اليوم الثالث لسفر الأخ الرئيس علي عبدالله صالح ووصوله إلى الحديدة في 14 أكتوبر 1978، ومن ضمن هذه التحركات:
استحدث نصار الجرباني نقاط تفتيش في سواد حزيز، كما أبلغني بذلك قائد مجموعة المدفعية علي صالح الأحمر، وهذه النقاط تستهدف مجموعة المدفعية بمنعها من التحرك والدخول باتجاه صنعاء.
وجود انتشار عسكري وأمني غير معهود في شوارع العاصمة، من وحدات الحرس الجمهوري والعمالقة ووحدات الأمن المركزي والشرطة العسكرية، وهو ما دفعني لاستطلاع الموقف.
تحفز للمواجهة
وحول السؤال الأهم والأكثر غموضاً "كيف تم إفشال الانقلاب" كانت إجابة الأحمر على النحو التالي:
يقول الفريق الركن على محسن الأحمر اتصلت بالرائد غالب القمش، والذي أبلغنا بوجود استعدادات وتحركات مريبة في الشرطة العسكرية.
ويستطرد "قمت بجولة من موقعي كرئيس أركان للواء الأول مدرع إلى المؤسسات الهامة التي ضمن إطار اللواء والمنوط أيضاً بالقيام بواجب الحماية لها، وهذه المؤسسات هي: (الإذاعة ومجلس الوزراء، والقيادة العامة للقوات المسلحة، والتلفزيون). وأعدينا في هذه المرافق كل قوانا لمواجهة الموقف.
وفي جولة أخرى، وبواسطة سيارة الطُلبة (السيارة التي تجلب الغداء للمعسكر) وزي الطباخ، نفذت جولة أخرى، بمفردي، في شوارع العاصمة، وتأكدت بنفسي بأن صنعاء أصبحت مشحونة بكل عناصر الانقلاب، وأن الموقف في غاية الخطورة. وقد وقعت، في هذه الجولة والجولات الأخرى في اليوم التالي، في مواقف صعبة أنقذني الله منها.
وبعد عودتي من الجولة دخلت من البوابة الشرقية لمعسكر السبعين، وكان المعسكر مشتركاً بيننا في اللواء الأول مدرع مع اللواء الخامس مشاه، هو في شرق المعسكر ونحن في غربه.
فدخلت من هذه البوابة متعمداً وهي البوابة الخاصة باللواء الخامس مشاه الذي يقوده نصار الجرباني المقرر تعيينه القائد العام للقوات المسلحة في حال نجح الانقلاب. وتمكنت من معرفة ساعة وصول القوة التابعة للواء أيضاً، والقادمة من معسكرهم الآخر في الصمع، إلى معسكر السبعين، من أحد جنود الخدمة في البوابة، وكانت تلك هي ساعة الصفر للإنقلاب.
ساعة الصفر
مع موعد انطلاق ساعة الصفر بعد منتصف الليل، سيطر الانقلابيون على الإذاعة ومجلس الوزراء وشوارع العاصمة والاتصالات والمطار والدفاع الجوي وكل أجهزة الدولة سيطروا عليها سيطرةً تامة ماعدا اللواء الأول مدرع الذي تم جلب اللواء الخامس من منطقة الصمع لتطويقه، وبالفعل بدأوا تطويقه أمام أعيننا ونحن جميعاً في معسكر واحد مثلما أشرنا.
وبعد سيطرتهم على كامل المؤسسات وبدْء تطويقهم للواء الأول مدرع، أرسل نصار الجرباني، رسولين إلينا إلى قيادة اللواء يدعونا عبرهم إلى الاستسلام، وهم حمود دوده وشقيقه محمد علي حسين الجرباني، فاحتجزناهم، ولم نسمح لهم بالعودة، وبالتالي حرمناهم من معرفة طبيعة ردنا سواء بالقبول او الرفض.
يقول الفريق على محسن "ثم باشرنا على الفور بالهجوم على اللواء الخامس مشاه، وكان هذا الهجوم مفاجئا لهم، وكان بمثابة القشة التي قصمت ظهر الانقلاب، وفي ظرف ساعات تم تأمين أنفسنا وتأمين المعسكر والسيطرة عليه، لتوفر عنصر المباغتة في الهجوم، وبدأنا في إنجاز باقي المهمة، والانطلاق لاستعادة بقية المواقع والمؤسسات التي سقطت بأيدي الانقلابيين والوحدات الموالية لهم.
وقبيل انقطاع الاتصالات، ومع توتر الوضع، كنت قد أجريت الاتصالات اللازمة بكل الضباط الذين نثق بعدم تورطهم في الانقلاب، والتنسيق معهم وأعطيتهم التوجيهات اللازمة في حال حدوث أي طارئ، قبل أن يتم قطع الاتصالات بدقائق، وهؤلاء الضباط المنتشرين في مراكز عملهم في المطار والقيادة العامة ومجموعة المدفعية وبقية المعسكرات، إضافة إلى التواصل بالأخ رئيس الجمهورية وإطلاعه على الوضع في العاصمة".
ويضيف الفريق محسن: "بتواصلات مننا وتوجيهاتنا، استطاع صالح الضنين استعادة الإذاعة بعدد من الدبابات التي انطلقت من اللواء الأول مدرع، وتمكن أحمد الضنين ومحمد خليل من استعادة السيطرة على القيادة العامة للقوات المسلحة، بتعزيزهم بمجموعة دبابات من اللواء الأول مدرع أيضاً، واستطاع اللواء محمد علي محسن، قائد الدفاع الجوي فيما بعد، ومحمد ناجي عائض استعادة المطار مع فصيلة الدبابات الموجودة هناك والتابعة للواء الأول مدرع.
وسيطر قائد مجموعة المدفعية "علي صالح عبدالله" على الضواحي الجنوبية من العاصمة، وباب اليمن، وصولاً إلى السبعين، وتطهير النقاط التي استحدثها الانقلابيون.
ومع شروق الشمس كان الموقف العسكري قد تغير تماماً، بانهيار الانقلاب في غالبية الأماكن التي كانوا قد سيطروا عليها، وقمت بالتواصل مع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومن ضمنها الأمن الوطني بقيادة محمد خميس والداخلية بقيادة محسن اليوسفي وبقية الأجهزة، لكي يتولى الجميع مسؤولياتهم في تأمين العاصمة وتثبيت الوضع.
كما قطع اللواء محمد عبدالله صالح (نائب وزير الداخلية قائد الأمن المركزي فيما بعد)، شقيق الرئيس، عرس شقيقه في سنحان ودخل إلى العاصمة صباحاً، وسيطر على الكلية الحربية مع مدير الكلية علي العنسي، والتي كانت قوة رئيسية من قوة الانقلابيين.
وغيّر رئيس الجمهورية، بعد إطلاعه من قبلنا على التحركات الإنقلابية في العاصمة، مسار طريقه في الحديدة، وتحرك ليلاً من الحديدة إلى المفرق (معسكر خالد بن الوليد) في تعز، تحركاً مفاجئاً بحراسته الشخصية دون معرفة مرافقيه من الوزراء والمسؤولين، ما تسبب في إرباك الناصريين المرافقين والمكلفين بتنفيذ مهمة تصفيته.
وجرى استكمال السيطرة على بقية المؤسسات في العاصمة، كما استسلمت المجاميع القبلية التي كانت في شوارع العاصمة.
منع إذاعة بيان الانقلاب
ومما أسهم في إفشال الانقلاب، إلى جانب سيطرتنا العسكرية، هو عدم مقدرتهم على إذاعة بيان الانقلاب المقرر إذاعته عند الساعة السابعة صباحاً.
فبعد حسم الوضع في معسكر السبعين لصالح اللواء الأول مدرع، نفذت في الصباح الباكر جولة للتأكد من استكمال السيطرة على المؤسسات الحيوية، وللإطلاع على الوضع في شوارع العاصمة.
حيث اتجهت إلى الإذاعة عند الساعة السادسة والنصف صباحاً تقريباً فدخلت من البوابة الشرقية للإذاعة التي كانت تحت سيطرتنا، بينما البوابة الرئيسية وهي الجنوبية والبوابة الغربية وخارج أسوار الإذاعة ومبنى رئاسة مجلس الوزراء كانت لا تزال تحت قبضة الانقلابيين من الشرطة العسكرية والعمالقة.
وقابلت في بوابة الإذاعة الخدمة الخاص بها الحاج مسعد اليريمي، وفي داخل الإذاعة المذيع محمد محسن الشعبي من أرحب، وكنت أعرفهما من أيام خدمتي في الإذاعة في فترة الرئيس الغشمي.
ومن المفارقات ان موظفي الإذاعة لم يكونوا يعرفون شيئاً عن الانقلاب، وكان من المقرر أن يذيع بيان الانقلاب بعد السيطرة عليها، عبدالله سلام الحكيمي وكيل وزارة الإعلام، لكنه فر هارباً مع قدوم صالح الضنين لإعادة السيطرة على الإذاعة.
طلب مني المذيع الشعبي، أي بيانٍ لكي يذيعه في النشرة الإخبارية، فطلبت منها تكرار إذاعة نشرة أخبار المساء والتي تتضمن تحركات الرئيس وزياراته للمؤسسات والمعسكرات في الحديدة.
لقد كان موعد النشرة الصباحية هو الموعد المحدد لإعلان بيان الانقلاب، الذي يُعتبر أيضاً دليلاً على نجاح الانقلاب، وإشارة لبقية عناصر التنظيم في الوحدات العسكرية والأمنية ومنتسبيه من القبائل بالتحرك واستكمال السيطرة على كل المؤسسات في كل محافظات ونواحي "الجمهورية".
عندما لم تُذِع نشرة الأخبار أياً مما انتظروه، وأذاعت استمرار زيارة الرئيس للحديدة، حصلت الانتكاسة لدى صفوف الانقلاب وعناصره وعرفوا بأن الموقف قد تغيّر، وانهاروا بشكل عجيب في كل مكان وسلموا أنفسهم وخاصة القبائل المنتشرة داخل العاصمة من المواليين للناصريين.
هذه أبرز التفاصيل التي تم انتزاعها من الفريق أول ركن علي محسن الأحمر، قائد عملية إفشال الانقلاب الناصري ضد حكم الرئيس علي عبدالله صالح، في حين تظل تفاصيل أخرى كثيرةً، لم تُنشر بعد مع تحفظه المعهود حول كثير من تفاصيل هذا الحدث الهام وحول مختلف المحطات التي مرّت بها الجمهورية خلال ما يقارب نصف قرن من وجوده في صدارة المشهد وعنصراً فاعلاً بل ورئيسياً في أبرز الأحداث وأكثرها أهمية وحساسية.