حكاية المسجّل والأمين العام في اللوائح الأولى لجامعة عدن
مسعود عمشوش
الهيكل التنظيمي لأي جامعة هو الإطار الذي يُحدد كيفية تنظيم الجامعة وإدارتها، ويرسم خريطة واضحة لتنظيم العمل وتوجيهه، بما يسهم في تمكين الجامعة من أداء مهامها وتحقيق رسالتها التعليمية والبحثية. ويبيّن الهيكل التنظيمي تسلسل الإدارات والمناصب التي تسهم في تسيير الأعمال الأكاديمية والإدارية للجامعة، ويوضح العلاقات بين الوحدات المختلفة، ويحدد المهام والمسؤوليات لمختلف الإدارات والوحدات، بما يساعد على تحقيق أداء أكثر فاعلية، ويسهِّل التنسيق بينها وتدفق المعلومات بين مختلف مستويات الجامعة، ويرفع مستوى البحث العلمي، وتحقيق التميُّز المؤسسي. وعادةً ما يتم صياغة الهيكل التنظيمي للجامعة تحت مسمى اللائحة التنظيمية للجامعة.
ومن أهم المكونات التي تتضمنها عادة اللوائح التنظيمية للجامعات المسجل والأمين العام أو النائب الإداري والمالي لرئيس الجامعة. وتختص إدارة المسجل العام عادة بالشؤون التعليمية لطلاب الجامعة، والإشراف المباشر على تطبيق النظام الدراسي والامتحانات، ومتابعة قبول الطلاب الجدد وتسجيلهم وفق اللوائح، وإعداد التقويم الدراسي وقوائم بأسماء الطلبة الأوائل وإصدار الشهادات الكرتونية لجميع الخريجين، وإعداد الإحصائيات والبيانات المختلفة وتقديمها إلى صانعي القرار في الجامعة. ويتم كل ذلك في الغالب تحت إشراف نائب رئيس الجامعة لشؤون الطلاب.
أما أمين عام الجامعة فهو المسؤول عن تصريف الشؤون الإدارية والمالية للجامعة، ويقوم بمهامه تحت إشراف وتوجيه رئيس الجامعة ونوابه كل في مجال اختصاصه، ووفق الصلاحيات الممنوحة له من رئيس الجامعة. وقد يستبدل أمين عام الجامعة في اللوائح التنظيمية لبعض الجامعات بمنصب النائب الإداري والمالي لرئيس الجامعة.
وعلى الرغم من أن اللوائح التنظيمية للجامعات تختلف وفق اتجاهات الجامعات وتخصصاتها إلا أن الجهات الحكومية المشرفة على التعليم العالي تحرص في الغالب على إصدار لوائح تنظيمية أو تنفيذية خاصة بالجامعات الحكومية، تأخذ بعين الاعتبار ما يتضمنه القانون الرسمي الذي اعتمدته تلك الجامعات.
بالنسبة لجامعة عدن، لم يتضمن القرار الجمهوري رقم 22 لعام 1975 الخاص بتأسيسها الهيكل التنظيمي للجامعة، وذكرت المادة رقم 32 منه أن "الوزير [وزير التربية والتعليم] يصدر القرارات واللوائح لتنفيذ هذا القرار". وبناءً على ما جاء في هذه المادة أصدر الوزير سعيد عبد الخير النوبان، في 18 مايو 1976، القانون الوزاري رقم 42 لعام 1976 المتضمن أول لائحة تنظيمية لجامعة عدن.
ومن المؤكد أن الوزير النوبان قد التزم عند صياغة أول لائحة للجهاز الإداري المركزي لجامعة عدن بكافة المبادئ والمعايير الحكومية والسياسية والأيديولوجية التي تخضع لها الوزارة نفسها: كما أنه استشار رئيس الجامعة د. محمد جعفر زين -خريج ألمانيا- وعددا من عمداء الكليات القائمة حينذاك وعلى رأسهم د. جعفر الظفار خريج الجامعات اللبنانية والبريطانية.
وبعد الانتهاء من صياغة المسودة رفع النوبان مشروع اللائحة إلى الجهات المعنية: قيادة التنظيم الموحد الجبهة القومية ووزارة العدل. وقامت تلك الجهتان بإدخال بعض التعديلات عليها قبل أن تصدر في الجريدة الرسمية في شكل القانون الوزاري رقم 42 لعام 1976 بتاريخ 18 مايو 1976.
واللافت في تلك اللائحة الأولى لجامعة عدن، التي تضمنت نائبا للشؤون الإدارية والمالية والقانونية ولم تتضمن نائبا لشؤون الطلاب، أنها قد مزجت بين مهام مسجل الجامعة الذي لا يخضع للنائب التربوي والثقافي بل لرئيس الجامعة مباشرة، وأمانة سر مجلس الجامعة، كما تبيّنه المواد الثلاث الآتية:
المادة(9): يحضر المسجل اجتماعات المكتب التنفيذي [النسخة المصغرة لمجلس الجامعة] بصفة مقرر.
المادة(19): يتولى المسجل أمور سكرتارية مجلس الجامعة وهو بهذه الصفة يشترك في اجتماعاته ومداولاته دون أن يكون له حق التصويت، ومن مهامه:
1. إرسال الدعوات للاجتماعات الدورية والاستثنائية بتوجيه من المدير قبل اسبوع من انعقاد الجلسة وتتضمن هذه الدعوات جدول أعمال الاجتماع.
2. تسجيل محاضر الاجتماعات وحفظها.
3. تنظيم سجلات وارشيف المجلس.
4. إرسال محاضر اجتماعات المجلس إلى الأعضاء خلال أسبوع من انعقاده ورفع ما يلزم من قرارات وتوصيات المجلس إلى الوزير تطبيقاً للقانون.
5. المادة(29): يرأس المسجل دائرة أمانة السر وهو مسؤول أمام الرئيس ويقوم المسجل بالإضافة إلى مهامه كسكرتير لمجلس الجامعة المنصوص عنها في المادة (19) من هذه اللائحة بالمهام التالية:
1- قبول وتسجيل الطلاب المستجدين.
2- الاشراف على وضع دليل الجامعة ودليل الطالب.
3- تأمين الإحصاءات والمعلومات والمنشورات المتعلقة بالجامعة.
4- سائر المهام التي يكلفه بها الرئيس في حدود اختصاصاته.
وقد سارع د. جعفر الظفاري في وضع ملاحظات عدة حول قرار إنشاء جامعة عدن والقانون الوزاري الخاص بتنظيم الجهاز المركزي لجامعة؛ الأولى كانت في شكل رسالة موجهة إلى وزير التربية والتعليم – رئيس المجلس الأعلى للتعليم العالي، ومؤرخة في 19 مايو 1976 ووقعها بصفته عميد كلية التربية العليا، والثانية في نهاية سنة 1978 حينما كان يمارس مهامه بوصفه نائبا أكاديميا لرئيس جامعة عدن. وقد ركز في الملاحظات الأولى على (تقويم خطأ في اللائحة العامة لتنظيم إدارة الجامعة)، أي على القانون الوزاري الذي نشرته الجريدة الرسمية في اليوم السابق (18 مايو 1976). ويؤكد الظفاري في خطابه أن هناك تعديلات قد طرأت على مسودة اللائحة التي شارك في إعدادها. وينتقد ما تضمنته من خلط بين مهام كل من المسجل والأمين العام للجامعة [الذي غاب في هذا القانون] ونائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية والقانونية.
وقد كتب الظفاري: "ليس لدى غير التذكير بأن خلطا واضحا قد حدث سهوا، في مهام مسجل الجامعة، إذ أنيطت به مهام كثيرة، ومتعددة الجوانب، بما في ذلك المهام الواقعة في حدود (دائرة أمانة السر)، وهو تعبير إداري محدود الاستعمال، لضيق دلالته وعدم دقتها في الاصطلاح العرفي للجامعات. لكن "أمانة السر"، في عرف الجامعة اللبنانية وغيرها من الجامعات التي تستعمل (أو كانت تستعمل) هذا المصطلح، كالجامعة الأردنية مثلا، لا يتولاها غير الأمين العام للجامعة، الذي حددت اختصاصاته بأنه المسؤول الأول عن إدارة "دائرة أمانة السر"، والمدير الإداري العام في الجامعة، والمتولي لأمانة مجلس الجامعة، ويضبط محاضر جلساته، فضلا عن توليـه سائر شؤون الجامعة وأعمالها الإدارية، بإشراف رئيس الجامعة.
وبناء على ما ورد أعلاه، فأني أرى وجوب تغيير المادة السابعة، من الباب الثالث من أبواب القرار رقم 22 لعام 1975، الخاص بإنشاء جامعة عدن. كما أرجو تكرمكم بالنظر من جديد في مسودة اللائحة الملمع إليها، وإعادة صياغتها على نحو موضوعي ومنطقي، حتى نتفادى خلطا متوقعا بين ما أنيط من أعمال بكل من مسجل الجامعة ونائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية والقانونية. وكما يظهر من تقاويم بعض الجامعات العربية وغير العربية يختلف مسجل الجامعة عن الأمين العام للجامعة الذي يتولى أمانة مجلس الجامعة، وهو رئيس دائرة أمانة السر وليس نائب الرئيس للشؤون الادارية والمالية والقانونية. أما مسجل الجامعة فله اختصاصات وواجبات معروف مجالها ومداها، ويقوم بتصريفها بإشراف الامين العام للجامعة.
وللإفادة، فأن ما حداني على إثارة هذه المسألة اختلاط الرؤيا على أعضاء مجلس الجامعة حين قمت بالتنبيه إلى الخلط البين والجلي بين اختصاصات المسجل ونائب الرئيس للشؤون الادارية والمالية والقانونية، فلم يكن من مستجيب فأغضينا، حتى وجدت نفسي راهنا مشغولا برسم خريطة تنظيمية للتكوين الإداري والفني لكلية التربية العليا لعرضها على مجلس الجامعة لمناقشتها ضمن مناقشته لمسودة اللائحة العامة لتنظيم الكلية. وقد تبيّن لي خلال رسمي، (أو محاولتي لرسم) الخريطة التنظيمية مدى ما تردينا فيه من خلط في مسودة اللائحة العامة لتنظيم إدارة جامعة عدن، إذ أصبح من العسير، والمشارف المستحيل (بالنسبة لي على الاقل)، تنظيم إدارة الكلية على شاكلة التنظيم الإداري الجامعة عدن.
أكرر رجائي بتكرمكم بالنظر من جديد في اللائحة العامة لتنظيم الإدارة العامة للجامعة حتى يكون في مستطاعنا تجنب خطأ سيقودنا بالحتم، -وفي المستقبل القريب- إلى كبوات وعثرات ليس من السهل النجوة منها حتى إذا ما شئنا ذلك . وقد بلغت، وها قد بلغت.
ودمتم.
د. جعفر ظفاري
عميد كلية التربية العليا".
وذكر د. محمد جعفر زين في كتابه (مذكرات أول رئيس لجامعة عدن)، أنه قد عيّن المرحوم عثمان عبده محمد أول مسجل للجامعة، وقد توفي في حادث سيارة كانت تنقله ورئيس الجامعة ومحمود عبده قاسم من كلية التربية بالمكلا إلى عدن في 9 نوفمبر من عام 1976. وبعد وفاته تمَّ تعيين الأخ ياسين محمد عبدان في مكانه. وبعد أقل من عام تمّ تعيين الأخ مصطفى ياسين راجامنار مسجلا للجامعة وذلك حتى أغسطس 1979، حينما جاء الأخ مصطفى محمد سعيد مسرج في مكانه. وقد استقال مصطفى مسرج من منصبه وانتقل إلى وزارة الخارجية، وعُيّن نائبه حسين سالم العطاس مسجلا للجامعة وذلك بموجب قرار مجلس الجامعة رقم (60 لعام 1980).
ومن أبرز الإداريين الذين عملوا في مكتب رئيس الجامعة خلال الفترة 1976-1981: الأخ فضل كليب والأخوات أنيسة محسن وخاتون يوسف وسامية سيف، والأخ عبدالله أحمد محبوب، والأخ عبدالله صلاح علان الذي عُيِّن مديرا للمكتب من مطلع عام 1979.
وفي نهاية سنة 1980 وقف أعضاء مجلس الجامعة أمام بعض المشاكل التي تواجه عمل المجلس الذي اتخذا، في جلسته لشهر يناير 1981 (القرار رقم 8 بشأن تقييم عمل المجلس العام ١٩٨٠)، الذي جاء على النحو الآتي: "في ضوء ما قدمته عضوية مجلس الجامعة، مجتمعةً، من تقارير حول مدى تنفيذ قرارات مجلس الجامعة للعام ۱۹۸۰ ومن ملاحظات القصد منها تطوير عمل المجلس ليؤدي دوراً أكبر، أقرّ الآتي: وجوب تفرغ سكرتارية لمجلس الجامعة تناط بها متابعة تنفيذ القرارات إلى جانب مهامها من إعداد وتحضير لاجتماعات المجلس". ومن ذلك الحين يبرز اسم سكرتير المجلس في المحاضر.
وفي شهر أبريل من عام ١٩٨١ نظمت جامعة عدن أول مؤتمر علمي لدراسة وتقويم تجربتها في سنوات التأسيس. وقد ناقش المؤتمر وأقرّ مجموعة من الوثائق أعدتها لجان متخصصة، وكان من بين تلك الوثائق: تعديلات واسعة لنصوص قانون جامعة عدن الصادر تحت رقم ٢٠ لعام ١٩٧٥، ومشروع هيكل تنظيمي جديد للجامعة، ومشاريع لوائح منظمة لعدة شئون أكاديمية وإدارية مثل الألقاب العلمية، وخدمة المكتبات، الأرشيف .... الخ.
ويؤكد النوبان أن هيكل الجامعة قد عُدّل بموجب مخرجات ذلك المؤتمر. وفي دورته الختامية (ديسمبر 1981) صدر (قرار مجلس الجامعة رقم 78 لعام 1981) الذي ينص على "1-المصادقة على محضري المكتب التنفيذي لمجلس الجامعة (الخامس والثامن) 2-تصدر القرارات الداخلية المنفذة لتوصيات المكتب التنفيذي الخاصة برتيب الأوضاع الأكاديمية والإدارية في ضوء الهيكل التنظيمي الجديد". وفيما يأتي مجسم الهيكل ومكوناته التي أبرزت رسميا إدارة مكتب رئيس الجامعة وسكرتارية مجلس الجامعة.
ووفق هذا الهيكل برزت إدارة القبول والتسجيل لتقع مباشرة تحت إشراف النائب الأكاديمي وليس مسجل عام الجامعة الذي ظل يمارس مهامه في مجلس الجامعة ومكتبه التنفيذي.
وفي يناير سنة 1987 فعّل مجل الجامعة بعض التعديلات التي تضمنتها مخرجات المؤتمر العلمي الأول لجامعة عدن، وذلك بموجب (القرار رقم 2 لعام 1987 بشأن مشروع قانون تنظيم جامعة عدن)، الذي نص على ما يأتي: "يصادق المجلس على التعديلات الطفيفة التي طرأت على مشروع قانون تنظيم جامعة عدن، الذي سبق أن أقره المؤتمر الأول للتعليم العالي في إبريل 19۸۱، وصادق عليه مجلس الجامعة بموجب قرار رقم (۳۹) لعام ۱۹۸۱المتخذ في الدورة الاستثنائية المعقدة في يونيو 1981".
وقد ظل حسين سالم العطاس مسجلا للجامعة حتى وفاته سنة 1988، حينما تمّ تعيين ياسين محمد عبدان مرة ثانية مسجلا عاما للجامعة. وفي مطلع التسعينيات أصبح عبد الرحمن محفوظ مسجل عام الجامعة، وكلفت فردوس عبد الحميد سلام من سكرتارية المجلس، بتحرير محاضر مجلس الجامعة.
وفي محاضر سنة 1989 يبرز اسم سالم علي سعيد بصفة سكرتير مجلس الجامعة ومحمد علي سعيد وفردوس عبد الحميد نائبي سكرتير مجلس الجامعة، ويوقع المحضر مع رئيس الجامعة. وفي محاضر سنة 1990 يبرز اسم محمد علي يحي مديرا عاما للقبول والتسجيل.
واتخذ مجلس الجامعة، في اجتماعه لشهر مايو ١٩٩١، القرار رقم ٦٨ لعام ١٩٩١ بشأن الهيكل التنظيمي لجامعة عدن جاء فيه "يقر المجلس تشكيل لجنة برئاسة النائب الإداري والمالي لرئيس الجامعة محمد العماري ورئيس قسم الإدارة بكلية الاقتصاد د. علي مجور ومدير عام التخطيط والتنمية وممثل الهيئة التعليمية بكلية الحقوق، وتكون مهمتها إعداد هيكل متكامل لجامعة عدن (الإدارة المركزية والكليات)، مع استيعاب كل الملاحظات التي طرحت وامكانية الاستعانة بذوي الخبرة في هذا المجال، على أن يعرض على مجلس الجامعة للمصادقة في موعد أقصاه مارس ١٩٩٢".
وبعد حرب 1994، صدر القرار الجمهوري بالقانون رقم 18 لعام 1995 بِشأن الجامعات اليمنية، الذي التزمت به جامعة عدن. وبموجبه ألغيت اللوائح السابقة لجامعة عدن ومنصب النائب الثقافي والتربوي لرئيس الجامعة، وكذلك منصب النائب الإداري والمالي لرئيس الجامعة الذي حل في مكانه الأمين العام للجامعة. وفي هذا القانون وفي وتعديله لعام 1997 تبرز مادة تنص على أن أعضاء مجلس الجامعة يختارون في مطلع كل عام دراسي جديد مقررا للمجلس، لكن تم تعديل هذه المادة بموجب قرار رقم 33 لسنة 2000 الذي جعل أمين عام الجامعة مقررا لمجلس الجامعة، ولا يزال الأمر ساريا. أما مسجل عام الجامعة، فبموجب القانون 18 لعام 1995 فقد أصبح يخضع لنائب رئيس الجامعة لشؤون الطلاب، ولم تعد له أي صلة بمجلس الجامعة.