الدكتور سعيد الشماسي.. حيد حضرموت الثاني وشعلتها التي لا تنطفئ

الدكتور سعيد الشماسي.. حيد حضرموت الثاني وشعلتها التي لا تنطفئ

كتب/ عمر كرامان:

كلنا يعلم أن حضرموت، ومدينة بروم بالتحديد، تشتهر برمز ومعلم حيد الرضم الذي تغزل به الشعراء وتغنى به الفنانون، وضرب به المثل في الصمود والرسوخ، وأصبح أشهر من نار على علم. ودكتورنا العزيز سعيد الشماسي، حيد حضرموت الثاني كما أسميته، يتجسد هذا الحيد على شكل إنسان عصامي جعل اسم بروم وحضرموت عالياً من خلال تفوقه وإنجازاته وحضوره القوي في شتى مناحي ومجالات الحياة.

فعند ذكر اسم الدكتور سعيد الشماسي، تخرص الألسن وتتذاكى أبجديات الحضور، ويبصر الفؤاد لهذه الهامة الحضرمية التي لن نوفيها حقها مهما تحدثنا أو قلنا. فهو كعادته صامت في سكون، لا يحب الظهور أو التملق، وأرض الواقع هو ميدانه الذي يمنحه كل هذا الزخم والمكانة بين الحضارم ومن تعامل معه، وبشهادة الجميع.

ففي عالم تكاد تغلب عليه المادة، يطلّ دكتورنا سعيد الشماسي كنسيم الفجر الهادئ، يحمل في أنفاسه عبق القيم، وينثر في دروبه نوراً يُضيء مسالك كانت مظلمة بغياب المثال. إنه ليس مجرد رجل، بل قصيدة تُكتب بحروف من ذهب، وسيمفونية إنسانية تُعبّر عن جمال الروح قبل جمال الفعل.

من عبق التراب الحضرمي إلى فضاءات العطاء.

مثل شجرة السدر الأصيلة، التي تمد جذورها في أعماق التراب الحضرمي، وتمتد أغصانها لتُظلّل الوادي بفيءٍ باسق، نشأ الدكتور سعيد الشماسي متشبثًا بقيم أسرته السيبانية العريقة، محملاً بحكايات الأجداد عن الكرم والشجاعة. فكانت مسيرته حصادًا لما زرعته الأيام في قلبه من شغفٍ بتغيير الواقع، وبناء صروح الأمل والإنجاز.

لم يكتفِ بأن يكون نجمًا في سماء الإدارة، بل أراد أن يكون شمسًا تُشرق على كل من حوله، وكأنه يأخذ من اسمه نصيبًا. فبدأ جنديًا مجدًا في وزارة النفط، كاللؤلؤة التي تُخفي ألقها في أعماق المحيط، وكافح وتدرج في السلم الوظيفي والإداري حتى ارتقى بجهده المتفرد إلى منصب الوزير، ليُحوّل المهام الروتينية إلى إنجازاتٍ تُلامس حياة الناس، ويُؤسس لوزارة النفط رؤى وإنجازات في ظل بلد تتخطفه الأزمات واحدة تلو الأخرى.

رحمةٌ تتدفق كالنهر...

وعطاء لا يعرف حدودًا، وإذا ما كان بعضنا يبني المجد لنفسه، فإن الدكتور الشماسي يبني الأمجاد للإنسانية جمعاء. فهو كالنهر الجاري، لا يحتفظ بمائه لنفسه، بل يروي كل ظمآن يمر به. من دعم المرضى في رحلات العلاج البعيدة، إلى منح الطلاب فرص العلم كالجناح الذي يحملهم إلى آفاق المستقبل، لم يترك بابًا للخير إلا وطرقه وسخر كل إمكاناته لخدمة أبناء جلدته الحضارم. فحتى الرياضة، التي يراها بعضنا هواية، جعلها جسرًا لتعزيز الوحدة، ودربًا لزرع الثقة في نفوس الشباب. وكما يُقال: "اليد التي تُمسك بمجاديف العطاء لا تبتل أبدًا"، فقد كانت أياديه البيضاء شاهدةً على قلب كبير لا يمل من العطاء. يظل الدكتور سعيد الشماسي واحةً تُذكّرنا بأن الإنسانية لم تغب بعد، فهو كالشمعة التي تُحرق نفسها لتضيء دروب الآخرين، أو كالسفينة التي تبحر ضد تيار الأنانية، حاملةً على ظهرها كل من يبحث عن ملاذ آمن.  

مآثره ليست مجرد سطور في سيرة ذاتية، بل هي نقوشٌ على جدار التاريخ، تُخبر الأجيال القادمة عن رجلٍ حوّل الصعاب إلى سلم، والأحلام إلى واقع. فكما أن القمر لا يحتاج إلى دليل على وجوده سوى ضوئه، فإن الدكتور الشماسي لا يحتاج إلى شهادات سوى ابتسامات من ساعدهم، ودموع امتنان من أضاء لهم الطريق.

عطرٌ باقٍ في رِحاب الإنسانية.

إن الحديث عن الدكتور سعيد الشماسي يشبه الحديث عن البحر: كلما غصتَ في أعماقه اكتشفتَ كنوزًا جديدة. فهو الرجل الذي جسّد الحكمة العربية: "خير الناس أنفعهم للناس".  

لكم يا دكتورنا، نُهدي تحيةً كالندى، تُغسل تعب السنين، وتُعطر مسيرتكم التي ستظلُّ كالشمس، تُشرق كل يوم بوجهٍ جديد من العطاء. دمتم نبراسًا للخير، وسفيرًا للصفات الحضرمية الأصيلة التي ترفض أن تموت.  

فكما أن الجبال لا تهتز بالرياح، فأنتَ صخرةٌ صلبةٌ في وجه كل عاصفة، تُذكّرنا أن الإنسانية ما زالت وستبقى.