عدن تحت حصار الأسعار… كهرباء تجارية بسعر الذهب.

كتب/ بشير الهدياني.
نعلم بأنه أُعلِن رسميًا عن بدء الترتيبات لإدخال الكهرباء التجارية في عدن، وسعرها المقترح أصاب الناس بالذهول: 1.5 ريال سعودي لكل كيلو واط·ساعة (أي 1,050 ريال قعيطي). قبل أن يبدأ التشغيل، علينا أن ندق جرس الإنذار: هذا السعر ليس خطأً ولا طارئًا… بل فخ مدروس لإجبارنا على ترك الكهرباء الحكومية التي تتلاشى يوماً بعد آخر ، والتوجه إلى اشتراكات التجارية التي ستصبح الوحيدة متاحة،الأسعار صادمة بالفعل: في السعودية يُباع الكيلو للمواطن بـ18 هلله فقط، وفي مصر حوالي 130 ريال، وفي تركيا نحو 113 ريال، بينما نحن في عدن سندفع أكثر من 1,000 ريال للكيلو الواحد، أي أضعاف السعر العالمي مقابل خدمة متذبذبة تنقطع فجأة وتحرق الأجهزة، لو حسبنا بيتًا بسيطًا يستهلك 300 كيلو بالشهر، فستكون الفاتورة 315,000 ريال قعيطي شهريًا، بيت متواضع ليس قصرًا، وهذا قبل تشغيل الخدمة رسميًا..السيناريو واضح: أولًا سيُقلص إنتاج الكهرباء الحكومية بحجج العطل ونقص الوقود، ثانيًا تُفرض شروط تركيب عدادات مزدوجة وغرامات على استخدام “الحكومي”، وثالثًا تستمر شراكة خفية للدولة في الشركة التجارية لضمان الأرباح،المستفيدون هم شركات الاستيراد والمحطات الخاصة وبعض المسؤولين الذين سيتقاسمون الأرباح الخيالية، بينما المتضررون هم المواطن الفقير والمؤسسات الصغيرة التي سيهلكها العبء المالي،إلى من يروّج لهذا السعر ويعتبره طبيعيًا، نقول إن الكهرباء حق أساسي لا تُفرض فيه أسعار تعجيزية، وأي ربح اليوم سيعاد تكراره على الجميع غدًا،نطالب بإلغاء هذه العقود المجحفة قبل أن تتحول إلى واقع لا رجعة عنه، وفتح تحقيق شفاف في آليات التسعير، وحماية المواطن من أن يُجبر على شراء الكهرباء كسلعة فاخرة بدل حقٍ أساسي،قبل أن تُطفأ الأنوار رسميًا، فلنقف جميعًا ضد تجارة الكهرباء التي لا تخدمنا بل تسلبنا حقنا في خدمة مدعومة أو مجانية.
وللعلم أن ملاك شركة “الطاقة المشتراه” أُلغي عقد توليدهم مع المؤسسة العامة للكهرباء ووزارة الكهرباء، فُطِموا عن باب الدولة، وهم اليوم يهيئون لفتح باب جديد تحت مسمى “الكهرباء التجارية”ما لم يأخذوه من الدولة بموجب العقد الظالم، سيأخذونه الآن من ربحية التاجر الجشع ومن جيوب المواطن الغلبان، ويزيد الطين بلة أن قانون تنظيم عمل وزارة النفط واللائحة التنفيذية لإنشاء المؤسسة العامة للكهرباء ينصان بوضوح على احتكار تقديم الخدمة العامة للكهرباء، مانعين أي شخص—اعتباريًّا أو معنويًّا—من ممارستها، مما يفتح ثغرة لاستنزاف حقوق الناس وتفريغ النصوص القانونية من مضمونها.
وفي الختام، ليس بغريب أن تتحول ساعات الانقطاع الطويلة المتكررة في عدن إلى وسيلة لتهيئة الناس نفسياً لاقتلاع الحق في الكهرباء الحكومية واستبداله بالاشتراك “التجاري” الباهظ. وراء هذه الظاهرة شركاء مستترون ورجال كبار في مؤسسات الدولة يراهنون على معاناة المواطن الغلبان لسنّ تعرفة تدرّ عليهم أرباحًا طائلة،ليس بعيدًا أن تكون ظلمة الليل الممتدة اليوم مقدمة لفجر يدفع فيه الناس ثمن خدمة باتت حقلاً تجاريًا بامتياز، بينما تُغفل أعينهم أن من يجني الأرباح هم أولئك الذين حولوا حاجاتهم إلى سلعة محرمة على الفقراء،علينا أن نكون يقظين: كل ساعة انقطاع هي صفقة تُحضَّر على ظهرنا، ولا بد أن نهزم هذا المخطط قبل أن يُنفَّذ ويُصبح واقعًا يفرض علينا دفع الذهب ثمناً للكهرباء.
ملاحظة: لو كانت نية الدولة حقًّا نبيلة لابتعدت عن شركاء الاستغلال،وتبرأت من اي صفقه تدر ارباحاً على حساب المواطن،بدل ان يُفهم منها أنها شريك او متواطئ معهم، لكان موقف الحكومة غير ذلك تمامًا؛ فهي تقدر معاناة الناس وتلتزم بدعمهم،كان بالإمكان—and لا يزال—التوصل إلى تسوية مع “التاجر الكهالي” تُلزمَه بتخفيض التعرفة من 1,050 ريال قعيطي إلى 500 ريال قعيطي للكيلو·واط·ساعة، مقابل تقديم تسهيلات كاملة في مشتريات الديزل وقطع الغيار وغيرها من المواد اللازمة لتشغيل المحطات،بذلك تكون الدولة قد أدّت واجبها، وأبعدت عن نفسها شبهة الشراكة في استغلال المواطن، وضمنت في الوقت ذاته استمرارًا معقولًا للكهرباء بأسعار أقل بكثير من التعرفة التجارية الصادمة.