عندما تتوقف العقول وتتآكل القيم: أي مستقبل ننتظر؟!
تدور الأعوام وتتغير الأزمان، لكن شيئاً لا يتغير في واقعنا. العقول ما زالت أسيرة الجمود، والأفكار ترفض أن تتطور، أما الأخلاق، فتعاني من انحدار مستمر. كيف لنا أن نتحدث عن التغيير دون دولة فعلية تحكم بقانون يسري على الجميع، لا يميز بين من ينتمي لتيار سياسي نافذ، ومن يقف وحيداً إلا من حقه؟
نعيش في ظل غياب مؤسسي تام، حيث لم يعرف هذا الشعب طعماً للعدالة ولا هيبة للقانون، بينما تستمر حكومات متعاقبة في الفشل، تتغير الوجوه ولا تتغير السياسات، ويتكرر العجز في تقديم أبسط مقومات الحياة.
التعليم، الذي يُفترض أن يكون ركيزة النهوض، أصبح أداة لإعادة إنتاج الجهل، وقوداً لتكريس التبعية، بدلاً من أن يكون محرّكاً للتنوير والتحرر. أما الشعب، فهو ضحية مستمرة لهذا العبث: مسحوقٌ بأزمات لا تنتهي، مقيدٌ بشروط عبثية تُفرض عليه حتى في المطالبة بحقوقه.
يطالبونه بأن يرفع علماً لبلاد باعوها ذات يوم، ويسعون اليوم لاستعادتها، لكن بأي منطق؟ كيف يمكن استعادة شيء مات منذ زمن، دون تجديد حقيقي في الفكر والمشروع؟ لماذا لا يدعون إلى بناء دولة جديدة، بعقد اجتماعي عادل، ترتكز على حدود الدولة السابقة ولكن برؤية مختلفة، تنتمي إلى الحاضر وتطل نحو المستقبل؟
ويبقى السؤال الذي لا بد منه: ماذا صنعتم لهذا الشعب؟ بل ماذا قدمتم له غير الألم والخذلان؟ ألا يستحق هذا الشعب أن يُحكم بعدل، وأن يعيش بكرامة، وأن يُعامل كمواطن لا كورقة في صراع المصالح؟
إن من يريدون بناء وطن، لا بد أن يبدأوا ببناء الإنسان، وإلا فستظل الدولة مجرد حلم مؤجل، والأوطان مساحة متنازع عليها بين أوهام الأمس وخيبات الغد.