من ممرات الكرملين وساحته الحمراء.. هل ينجح الرئيس العليمي في كسر الحياد الروسي وبناء شراكة استراتيجية

من ممرات الكرملين وساحته الحمراء.. هل ينجح الرئيس العليمي في كسر الحياد الروسي وبناء شراكة استراتيجية

تقرير (الأول) القسم السياسي:

في لحظة سياسية بالغة التعقيد، يشدّ الرئيس اليمني الدكتور رشاد العليمي الرحال إلى موسكو، حيث من المزمع أن يشارك في قمة دولية مرتقبة هناك. وبين ممرات الكرملين وأصداء الساحة الحمراء، يسعى العليمي إلى إعادة ضبط بوصلة العلاقات اليمنية الروسية، والتي طالما ظلت في حالة "ضباب دبلوماسي" منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية في 2014 واندلاع الحرب.

علاقات قديمة.. ومواقف رمادية
تعود العلاقات بين اليمن وروسيا (وخلال العهد السوفييتي سابقًا) إلى عقود مضت، حيث كانت موسكو من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، واحتفظت بعلاقات وطيدة أيضًا مع الجمهورية العربية اليمنية. وبالرغم من تعدد الحكومات وتغيّر الأنظمة، ظلت روسيا حاضرة - وإن بشكل متفاوت - في الملف اليمني.
لكن منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية في 2014 واندلاع الحرب، بدت موسكو وكأنها تمارس سياسة "الإمساك بالعصا من المنتصف". فمن جهة احتفظت بعلاقات معلنة مع الحكومة الشرعية، لكنها في الوقت نفسه لم تقطع جسور التواصل مع الحوثيين، بل استقبلت وفودهم أكثر من مرة في موسكو، كما فتحت قنوات تواصل مع المجلس الانتقالي الجنوبي. كل ذلك أعطى انطباعًا عامًا بموقف روسي "براغماتي" وأحيانًا غير حاسم تجاه الشرعية والتحالف العربي.

زيارة العليمي: فرصة لإعادة التموضع
تأتي زيارة الرئيس العليمي لموسكو في ظل هذا التباين، محاولة لإعادة صياغة شكل العلاقة على أسس واضحة، وفتح باب التعاون من منطلق الشرعية الدولية. وهو بذلك يسعى إلى تأكيد الاعتراف الروسي بمجلس القيادة الرئاسي كسلطة تمثل الدولة اليمنية، مما يوجه رسالة سياسية مهمة في الداخل والخارج، لإعادة روسيا إلى طاولة التوازنات الدولية في الملف اليمني، ولكن هذه المرة بما يخدم توجهات الحكومة الشرعية بدل أن تظل موسكو تلعب على "حبال التوازنات"، وأيضا استثمار الوجود الروسي في مجلس الأمن لصياغة مواقف أكثر وضوحًا من قرارات وقف إطلاق النار، والمبادرات الأممية، خصوصًا في ظل تراجع الدور الأميركي والأوروبي.

الرهانات والتحديات
رغم الطموحات، تبقى التحديات كبيرة أمام الرئيس العليمي، إذ إن روسيا لن تتخلى بسهولة عن علاقتها مع القوى الأخرى على الأرض، خاصة الحوثيين الذين تراهم موسكو طرفًا أساسيًا في أي تسوية. كما أن توازنات الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع الغرب تجعل روسيا أكثر حذرًا في الانخراط العميق في ملفات إقليمية معقدة كاليمن.
لكن مع ذلك، فإن نجاح العليمي في كسر "الحذر الروسي" وتحويل موسكو إلى شريك دبلوماسي نشط، سيمنح الحكومة اليمنية دفعة قوية في مسار التفاوض، ويعيدها إلى واجهة العلاقات الدولية كلاعب فاعل، لا مجرد طرف ينتظر مخرجات الآخرين.

نافذة استراتيجية من موسكو
في النهاية، تشكّل زيارة العليمي لموسكو اختبارًا للدبلوماسية اليمنية، وفرصة لإعادة التموضع في المشهد الإقليمي والدولي. فهل تنجح هذه الزيارة في تحويل السياسة الروسية من الحياد الرمادي إلى شراكة واضحة المعالم؟ وهل يستطيع اليمن، من الساحة الحمراء، أن يرسم ملامح مرحلة جديدة أكثر توازنًا واستقرارًا؟.. الأيام القادمة كفيلة بالإجابة، لكن المؤكد أن الرئيس العليمي بدهائه وحنكته السياسية لن يعود من موسكو بخفي حنين.