الشرعية اليمنية بين التحديات والمآلات: مقارنة بسوريا الحديثة

الشرعية اليمنية بين التحديات والمآلات: مقارنة بسوريا الحديثة

الشرعية اليمنية بين التحديات والمآلات: مقارنة بسوريا الحديثة

كتب إبراهيم الإبراهيم

في خضم العقد الأخير، عاشت منطقة الشرق الأوسط تحولات سياسية عاصفة أفرزت مشاهد متباينة بين الدول، بعضها تماسك رغم الأعاصير، وأخرى انفلتت من بين يدي قادتها. اليمن وسوريا، نموذجان بارزان لهذا التباين، ولكلٍّ منهما حكايته. ففي حين ما تزال الشرعية اليمنية تُصارع على أكثر من جبهة في الداخل والخارج، شهدت سوريا تحولات تُعد، بنظر أنصارها، خطوات إيجابية نحو إعادة بسط الدولة، لا سيما في ظل صعود شخصية مثل أحمد الشرع.

في اليمن، مثّلت "الشرعية" عنوانًا واسعًا لحكومة تعترف بها الأمم المتحدة، لكنها واقعًا، ما زالت تفتقر إلى أدوات النفوذ الفعلي على الأرض. فمنذ انقلاب الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، لم تستطع الشرعية أن تستعيد السيطرة الكاملة، بل خضعت لتجاذبات إقليمية ودولية، وأصبحت تعتمد بشكل كبير على دعم تحالف تقوده السعودية. ورغم وجود شخصيات وطنية مخلصة داخل هذه الشرعية، إلا أن التنافر بين أجنحتها، وتضارب المصالح، وتعقيدات المشهد اليمني، جعل من استعادة الدولة هدفًا بعيد المنال.

في المقابل، استطاعت سوريا في ظل بروز أحمد الشرع، أحد أبرز الشخصيات الإصلاحية في النظام السوري، أن تقدم صورة مغايرة لما يمكن تسميته "مقاربة استعادة الدولة". الشرع لعب دورًا محوريًا في ترسيخ مؤسسات الدولة رغم الضغوط الغربية والتدخلات الخارجية. ساهمت رؤيته في التهدئة الداخلية، وفتح قنوات حوار مع بعض قوى المعارضة، إلى جانب التركيز على مؤسسات الدولة وتماسكها. ورغم الانتقادات الحقوقية الدولية، فإن النظام السوري بقي محافظًا على هيكله المركزي، مستفيدًا من دعم حلفائه ومن خطاب "السيادة ضد التفكك".

مقارنةً بالشرعية اليمنية، يظهر الفارق جليًا في قدرة القيادة السورية على فرض "واقع أمر واقع"، سواء بالسلاح أو بالتفاوض، بينما بقيت الشرعية اليمنية "رهينة الشرعية الدولية" دون القدرة على فرض سلطة فاعلة على الأرض. إن الشرعية في اليمن تواجه تحديات مزدوجة: انقلاب داخلي، وانقسامات داخل صفوفها، وتدخلات إقليمية جعلتها في كثير من الأحيان أداة في صراع نفوذ.

إن تجربة أحمد الشرع تُظهر أهمية وجود رؤية سياسية متماسكة، وقيادة توازن بين الممكن والمطلوب. أما الشرعية اليمنية، فلا تزال بحاجة لإعادة بناء ثقة الداخل بها، وتحرير قرارها السياسي، وإطلاق مشروع وطني جامع يعيد لليمنيين الأمل بدولة تستحقهم.

يبقى الدرس الأهم هو أن الشرعية لا تُمنح من الخارج فقط، بل تُبنى من الداخل، بالثقة، بالتماسك، وبالقدرة على التكيّف مع الواقع لصالح الوطن.