عدن…المدينة التي أضاءت الدنيا، تحلم اليوم بساعة كهرباء

 

د. محمود شائف

في مشهد عبثي لم تشهده حتى في أحلك لحظات تاريخها، تستقبل مدينة عدن عيد الأضحى المبارك هذا العام وهي غارقة في ظلام دامس. انقطاع تام للكهرباء، وتوقف للرواتب، وانهيار شبه كلي للخدمات الأساسية والبنية التحتية.

عيد بأي حال عدت يا عيد؟

والناس في عدن بلا رواتب، بلا كهرباء، بلا ماء…

الأطفال بلا هدايا، ولا حتى كسوة عيد. 

عدن المدينة التي كانت يومًا منارة للعلم والنور والتقدم، تفتقر اليوم لأبسط مقومات الحياة الكريمة.

ما يحدث في عدن لا يمكن توصيفه إلا كعقوبة جماعية أنزلت على من لا ذنب لهم، بجريرة من تسلّموا زمام السلطة وتجردوا من أدنى إحساس بالضمير أو المسؤولية.

“عدن المحررة” لم تعرف اليوم من التحرير سوى اسمه. تحرّرت من كل شيء: من الكهرباء، من الماء، من الراتب، من الكرامة، ومن أي شعور بالواجب لدى من يُفترض أنهم أصحاب الشأن وبيدهم القرار.

من المأساوي أن نسترجع زمن الاستعمار البريطاني لنقارن واقع اليوم. ففي ذلك الزمن، رغم القيود، كانت الرواتب تُصرف، والكهرباء لا تنقطع، والموظف يُحترم، والناس تعيش بحدٍّ أدنى من الكرامة.

أما اليوم، فقد غابت الدولة، وحضرت الفوضى وتسيد الفساد.

المسؤولون يتنقّلون بين العواصم، يستجمّون في الفنادق الفخمة، ويشاركون في مؤتمرات عديمة الجدوى وبلا نتائج آو فائدة مرجوه. 

في المقابل، شعب بكامله يتضوّر جوعًا، يقتله الحر وتفتك به الامراض والأوبئة.

أي منطق هذا؟ أي شرع؟ أي عرف يجيز أن يُسمّى هؤلاء حكّامًا؟

أي مهزلة هذه التي نعيشها كل يوم؟

ونظل نردّد معها: “اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا”.

عدن اليوم لا تطالب بالرفاه، ولا ترفع شعارات الترف السياسي.

هي فقط تطالب بالحد الأدنى من الحياة الآدمية:

ماء نظيف، رغيف خبز متوفّر، دواء يُنقذ الحياة، راتب مستحق، كهرباء مستقرة، وكرامة إنسانية…

وجميعها حقوق كفلتها القوانين والمواثيق الدولية، وتقرها كل الأديان والشرائع السماوية، ولا تُمنح كمنّة من أحد.

وبرغم كل هذا الظلم والخذلان، يبقى الأمل…وستبقى عدن تنبض. نعم 

تنزف بصمت، لكنها لا تموت.

ففي قلب كل أم تحلم بكسوة عيد لابنها، وفي عيني كل طفل يتطلع لشمعة لا تنطفئ، وفي دعاء كل شيخ يئن من المرض والقهر، تولد شمعة تحدي وارادة مقاومة، لا تطفئها خيانة او خذلان، وستنهض عدن من جديد كالعنقاء من تحت الرماد.

عدن… ستضيئ من جديد،

ليس لأن لصوص الكهرباء والماء والرواتب قرروا التوبة،

بل لأن في هذه المدينة روحًا لا تُهزم،

ورجالاً لا يعرفون اليأس،

ومقاومة لا تُقهر،

وإيمانًا راسخًا بأن الفجر آتٍ،

وأن للظلم نهاية،

وأن الله لا يخذل من يستحق الحياة