هل يُجدي الكيّ في إنقاذ الاقتصاد؟

حسام ردمان
لا صوت يعلو على انين المواطنين جراء تردي الخدمات وانهيار سعر العملة المحلية، وقد ساهمت هذه الاوضاع في شحن الشارع واثارة الغضب العام، إلا أن البحث عن حلول اقتصادية ناجعة يقتضي التفكير بشكل هادئ لفهم سياق الازمة والوقوف بموضوعية أمام البدائل المتاحة لدى صانع القرار، والدور المتاح لعبه من قبل القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة.
وفي حقيقة الأمر فان جذور هذه الازمة المتفاقمة بدأت في العام ٢٠٢٢،حينما حُرمت الحكومة من أهم مواردها بعد قيام مليشيات الحوثي الارهابية باستهداف موانئ تصدير النفط، ومنذ ذلك الوقت بدأ الخبراء الاقتصاديون يتعجبون، ليس من سرعة الانهيار بل من قدرة الحكومة على التماسك!
وبفضل الثقة الدولية التي تبلورت تجاه البنك المركزي اليمني ووزارة المالية، استطاعت الحكومة ان تسترد العديد من ارصدتها في الخارج لتغطية نفقاتها لتسديد فاتورة مرتبات موظفي الدولة.
منها على سبيل المثال مبلغ ٦٠٠ مليون دولار ساعد الفرنسيون والبريطانيون الحكومة الشرعية في استخدامها، من حقوق السحب الخاصة، وهي تعود لارصدة حكومية تم ايداعها بالخارج في سبعينيات القرن الماضي.
ورغم اهمية هذه المساعدة الدولية، فان الحكومة الشرعية ما كانت لتصمد دون التمويل السخي من دول التحالف العربي التي تعهدت به عقب مشاورات الرياض، لكن التمويل السعودي والاماراتي هذه المرة لم يكن جزءً من اقتصاد الحرب، بل جاء كمقدمة لعملية التعافي الإقتصادي والحوكمة المؤسسية.
لذا فانه كان مشروطا باصلاحات عاجلة، وهو ما ظلت الحكومة تتهرب منها طيلة الفترة الماضية، وبالتوازي مع هذا التهرب الحكومي كان المأزق الاقتصادي للشرعية يتراكم على مدار ثلاثة أعوام، إلى ان بلغت الأمور منعطف لا يمكن احتماله في العام ٢٠٢٥.
ورغم قتامة الوضع إلا إن مصير الشرعية مازال في يدها، ولديها خياران في المتناول لتجاوز الازمة: (اما قيام الحكومة بتصدير النفط رغماً عن الحوثي أو بالتفاهم معه، واما انجاز الحكومة لروشتة الاصلاحات المطلوبة منها لاستيعاب شرائح الدعم المالي من حلفائها.
والصواب انجاز الامرين معا، لكن الاصلاحات تبدو اليوم الاكثر الحاحا لانها تعزز اجراءات الحوكمة وتحقق الاستدامة المالية.
والخطير في أزمة الشرعية الاقتصادية، انها لم تقتصر على اغضاب الحاضنة الشعبية في المناطق المحررة بل انها عمّقت الفجوة الاستراتجية مع جماعة الحوثي: فبالرغم من تظافر الشروط الموضوعية بالضد من الحوثي بعد فرص العقوبات وتدمير ميناء الحديدة، عجزت الشرعية عن توفير الشروط الذاتية التي تمكنها من استثمار الفرص لتغيير ميزان القوى الاقتصادي في صالحها تمهيدا لتعديل ميزان القوى السياسي والعسكري لاحقا.
لذا فان طريق الحسم الاستراتيجي في مواجهة الحوثي، وطريق تحسين الوضع المعيشي في المناطق المحررة ؛ يبدأ اولا بعلاج المازق الاقتصادي للشرعية، والعلاج هنا يجب ان يتم بالكيّ ودفعة واحدة من خلال حزمة الاصلاحات.
وبحسب ما اكدته مصادر ديبلوماسية خليجية وغربية؛ فان "روشتة الاصلاحات" تتضمن خمسة نقاط ، غير اعجازية، وافق عليها مجلس القيادة ويبقى ان تنفذها الحكومة، وهي: (اقرار موازنة عامة - تحرير سعر الريال الجمركي - رفع تعرفة الكهربا في النظام التجاري والحكومي - التوريد لحساب الحكومة في البنك المركزي - اقرار لجنة تغطية الاستيراد).
هذه الاصلاحات تصب في خدمة الدولة والمواطن ومجتمع الاعمال والمانحين الدولين، الطرف الوحيد المستفيد من تعطيلها هو الحوثي، أو التجار الطفيليين المتواطئين معه.
حاليا تقف الشرعية امام منعرج مصيري، ولن يكون بوسع احد انقاذها.. فاما ان تبادر الى علاج نفسها بنفسها، واما ان تستمر بمشاهدة مرضها العضال وهو يستشري في كامل جسدها الاقتصادي والسياسي والامني، وسوف يعني ذلك قريبا دخولها مرحلة الموت السريري.
اما فيما يتعلق بالنخبة السياسية وناشطي المجتمع المدني وقادة الراي العام؛ فان بوسعهم الانحياز للمواطن بصورة شعبوية عبر الصراخ والتظاهر دونما هدى، أو ان بوسعهم تحويل هذه الاصلاحات الى برنامج عمل يتم الضغط باتجاهه لتحريك الجمود الحكومي وانقاذ ما يمكن انقاذه.