الشرعية ومأزقها الاقتصادي.. هل يكون (العلاج بالكيّ) آخر الحلول؟!
تواجه الحكومة الشرعية اليمنية أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ اندلاع الحرب، في ظل انسداد الموارد وتفاقم العجز، وسط تحذيرات من دخولها مرحلة "الموت السريري"، ما لم تُبادر بتنفيذ إصلاحات هيكلية حاسمة، وصفها الباحث والصحفي حسام ردمان بـ"العلاج بالكيّ".

تقرير (الأول) القسم الاقتصادي:
ضياع موارد النفط وتماسك مدهش
تعود جذور الأزمة، بحسب ردمان، إلى العام 2022، حينما تلقت الشرعية ضربة موجعة بفعل هجمات الحوثيين على موانئ تصدير النفط، ما أدى إلى حرمان الحكومة من أهم مصادر تمويلها. المفارقة، كما يراها الكاتب، أن التدهور لم يحدث بشكل فوري، بل أثار تعجب المراقبين من قدرة الحكومة على البقاء رغم الانهيار التدريجي.
الثقة الدولية بالبنك المركزي اليمني ووزارة المالية ساهمت في استعادة أرصدة مجمدة منذ عقود، منها 600 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة تعود إلى زمن الجمهورية العربية اليمنية، تمكّنت الحكومة من استخدامها بفضل وساطة فرنسية وبريطانية.
تمويل مشروط لا حرب فيه
لكن هذه الموارد لم تكن كافية. فالدعم المالي السعودي والإماراتي، الذي جاء عقب مشاورات الرياض، كان طوق نجاة حاسمًا. غير أن التمويل هذه المرة لم يكن دعما عسكريا أو حربيا، بل استُهدف به دعم التعافي الاقتصادي والحوكمة، ما جعله مشروطًا بتنفيذ "روشتة إصلاحات" ظلت الحكومة تتهرب منها طيلة ثلاث سنوات.
2025: عام الانفجار الاقتصادي
وصلت الأزمة ذروتها في عام 2025، حين لم يعد بالإمكان إدارة الوضع دون اتخاذ قرارات موجعة. ويؤكد ردمان أن الحكومة تقف اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما:
استئناف تصدير النفط، سواء بالتفاهم مع الحوثيين أو رغمًا عنهم.
تنفيذ حزمة الإصلاحات المتفق عليها مع الحلفاء والداعمين.
ويرى الكاتب أن المسار الأمثل هو الجمع بين الخيارين، لكن الإصلاحات باتت الأكثر إلحاحًا كونها تضمن الاستدامة المالية وتعزز الحوكمة.
فجوة استراتيجية مع الحوثي
الأخطر، وفق ردمان، أن الأزمة الاقتصادية لا تهدد فقط الحاضنة الشعبية في المناطق المحررة، بل عمّقت الفجوة الاستراتيجية مع جماعة الحوثي. فبالرغم من العقوبات المفروضة على الجماعة وتدمير ميناء الحديدة، فشلت الشرعية في خلق الشروط الذاتية لاستثمار هذه الفرص الاقتصادية.
العلاج بالكيّ: خمس إصلاحات حاسمة
يكشف المقال عن خطة إصلاحية من خمس نقاط وافق عليها مجلس القيادة الرئاسي، وينتظر تنفيذها:
إقرار موازنة عامة للحكومة.
تحرير سعر الريال الجمركي، مع استمرار دعم المواد الأساسية.
رفع تعرفة الكهرباء على القطاع التجاري والحكومي، وتطبيق نظام الشرائح على المواطنين.
إلزام كافة الهيئات والسلطات المحلية بالتوريد إلى حساب الحكومة في البنك المركزي.
تشكيل لجنة تغطية الاستيراد، مع تحديد أعضائها بانتظار إصدار القرار.
يؤكد ردمان أن هذه الإصلاحات ليست تعجيزية، بل تصب في صالح الدولة والمواطن والمجتمع الدولي، بينما الطرف الوحيد المستفيد من تعطيلها هو الحوثي وبعض التجار الطفيليين المتواطئين.
مفترق طرق مصيري
في خاتمة مقاله، يضع ردمان الحكومة أمام مسؤولية تاريخية: إما المبادرة إلى "علاج نفسها" عبر تنفيذ الإصلاحات، أو الاستمرار في التآكل حتى تصل إلى مرحلة الانهيار الكامل.
ويوجه الكاتب دعوة للنخب السياسية والمجتمع المدني وقادة الرأي لتجاوز الشعبوية، وتحويل الإصلاحات إلى برنامج ضغط مجتمعي واسع، لإنقاذ ما تبقى من مؤسسات الدولة والاقتصاد الوطني.
المحرر الاقتصادي لموقع (الأول)
الرسالة واضحة من المقال: تأجيل الإصلاحات لم يعد خيارًا.. الشرعية تواجه إما الإنقاذ الجاد أو السقوط المؤكد.