إلى متى سيظل صمت القيادة السياسية؟

الوطن ينهار بصمت، والسفينة تغرق أمام أعين الجميع دون تحرّك جاد يُذكر لإنقاذها. ما نشهده من تحرّك للقيادات السياسية لا يتعدى كونه تصريحات ولقاءات بعيدة كل البعد عن الواقع، لا تسمن ولا تغني من جوع.
الشعب يئن من وطأة الجوع، وتنهشه الأمراض التي كان يمكن تجنّبها بتغذية مناسبة ورعاية صحية كريمة. الغالبية العظمى بات دخلها الشهري لا يتجاوز مئة ريال سعودي، فيما قلة قليلة فقط تعيش حياة كريمة، أما الباقون، فيصارعون يوميًا من أجل البقاء.
الجميع يترقّب تدخلًا من السلطات، لكن هذه السلطات تبدو وكأنها عاجزة عن النظر إلى أبعد من أقدامها. في الوقت الذي كان يُفترض فيه إطلاق مبادرات إنقاذ عاجلة، لجأت الحكومة إلى رفع الضرائب والرسوم والواجبات المفروضة على التجار، وهو ما انعكس مباشرة على المواطن البسيط. فالنتيجة كانت زيادة أسعار السلع الأساسية، وبالتالي تضاعُف المعاناة بدلًا من التخفيف منها.
السلطات لم تُدرك بعد أن استمرار التدهور لن يقتصر ضرره على المواطنين الفقراء وحدهم، بل سيطال الجميع دون استثناء. يومًا ما، إذا استمر هذا النهج، سنشهد انهيارًا شاملًا: الوكالات التجارية سترحل، المحال الصغيرة ستُغلق، وما تبقى من مؤسسات الدولة سيتفكك. بل وحتى المشاريع الاقتصادية الخاصة، التي تعتمد عليها بعض الجهات لتوفير الرواتب، ستنهار بدورها، لأنها ببساطة قائمة على حركة السوق والطلب الشعبي، الذي يتآكل بفعل الفقر.
إن تحوّل أغلبية الشعب إلى ما دون خط الفقر يعني بالضرورة شللًا اقتصاديًا تامًا، وانعدام الإيرادات، وركودًا لا يختلف كثيرًا عمّا حدث في جنوب البلاد خلال سبعينيات القرن الماضي، عندما هربت رؤوس الأموال نتيجة فشل الإدارة السياسية حينها، وأدى ذلك لاحقًا إلى انهيار الدولة، والهروب إلى الوحدة دون استفتاء الشعب.
الوقت لا يحتمل مزيدًا من الانتظار.
القيادة السياسية مطالبة بالتحرك العاجل، لا من خلال فرض مزيد من الأعباء على المواطن، بل عبر حلول اقتصادية حقيقية وجذرية، منها:
إعادة تصدير النفط بشكل فوري.
دعوة شركات دولية للتنقيب عن النفط والغاز والمعادن في المناطق التي لم يُجرَ فيها مسح جيولوجي بعد، مثل أبين، وخليج عدن، وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية.
فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي في الصناعات التحويلية التي تعتمد على خامات محلية، مثل زيت السمسم، والقطن، والصناعات الجلدية، وغيرها.
تسهيل بيئة العمل الصناعي للشركات العالمية لتصنيع بعض السلع وتصديرها من الداخل.
البحث الجاد عن تمويلات لبناء السدود والحواجز المائية في أبين ولحج، لحجز مياه الأمطار بدلًا من هدرها في البحر.
ما زال الأمل قائمًا.
الوقت لم ينفد بعد، ولكن استمراره بهذا الشكل يعني اقتراب الكارثة. إنقاذ الوطن والمواطن لا يكون بالشعارات أو الإجراءات المؤقتة، بل بخطة اقتصادية متكاملة تبدأ اليوم، لا غدًا.