١٧ يوليو.. الذكرى العاشرة لتحرير عدن واستعادة الجمهورية وشرعيتها الدستورية

في مثل هذا اليوم المجيد من عام 2015، سطر أبناء اليمن الأحرار صفحه خالده في سفر النضال الوطني، حين انتصرت الإرادة الشعبية وتحررت العاصمة المؤقتة عدن من قبضة الانقلاب الحوثي، وارتفعت راية الجمهورية من جديد على أيدي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فارتقوا شهداء في سبيل استعادة الدولة، وصون الكرامة، وحماية الهوية اليمنية الأصيلة.
إن الذكرى العاشرة لتحرير عدن ليست مجرد مناسبة عابرة في روزنامة الأحداث، بل محطة فاصلة في الذاكرة الوطنية، لا تقل أهمية عن مناسبتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين،
تستدعي وقفة إجلال لصناع النصر، ومراجعة صادقة لمسؤوليتنا الجمعية تجاه الوطن، وتأملًا عميقا في المسار الذي سلكناه منذ لحظة الانعتاق من قيد الانقلاب.
في هذه الذكرى الوطنية الخالدة، نترحم على أرواح الشهداء الأبرار من أبناء اليمن، ونخص بالتحية والوفاء أشقاءنا من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودولة قطر، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية السودان، الذين امتزجت دماؤهم الزكية على تراب اليمن الطاهر، في ملحمة التحرير الكبرى لعدن.
لهم، ولأسرهم، ولذويهم، كل العزاء والامتنان، وعهد لا ينكث بأن تبقى تضحياتهم نبراسا نهتدي به في معركة استعادة الدولة، واستكمال بناء مؤسساتها.
كما نوجه في هذا المقام تحية إجلال وإكبار لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي وقف في وجه العاصفة، وتمسك بشرعية الدولة، وواجه الانقلاب من ميدان المسؤولية لا من هامش التاريخ، فكان رمزا للصمود، وقائدا للعبور نحو لحظة التحرير.
ولا يسعنا، في لحظة صدق كهذه، إلا أن نُعبر عن أسفنا العميق لما واجهه كثير من الشرفاء، من عسكريين ومدنيين، ممن خاضوا غمار المعركة وشاركوا في صناعة النصر، من تهميش وإقصاء غير مبرر، وحرمان من التكريم المستحق، رغم تضحياتهم الجليلة التي ستبقى محفورة في ضمير الوطن.
إننا اليوم، ومع حلول الذكرى العاشرة، نؤكد تمسكنا بالمبادئ التي ارتقى لأجلها الشهداء، وعلى رأسها: ترسيخ الأمن، وبناء الدولة، واستعادة السيادة، وتوحيد الصف الوطني، والارتقاء بحقوق المواطن وحماية مكتسبات الجمهورية، والانطلاق بثقة نحو مستقبل يليق بتضحيات أبناء اليمن.
وبهذه المناسبة، نبارك للقيادة السياسية، ممثلة بفخامة الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وإخوانه أعضاء المجلس، ونتطلع إلى نجاح الحكومة الجديدة برئاسة الأستاذ سالم بن بريك، في ترجمة طموحات الشعب، وتفعيل مؤسسات الدولة، وتحسين الأداء الخدمي والأمني والقضائي. كما نحث البرلمان ومجلس الشورى على القيام بدورهما التشريعي والرقابي بكل مسؤولية وشفافية.
والمسؤولية هنا لا تتوقف على مؤسسات الدولة الثلاث، بل تتخطاها الى دور الأحزاب و القوى السياسية غير المهيكلة، والتي تسعى للمحاصصة في سلطات الدولة، و ينخفض دورها جدا في تصويب اعمال ممثليها في الحكومة او بقية المؤسسات في الدولة، والتي من الواجب عليها عبر التكتل الوطني للأحزاب و القوى السياسية، ان تتيح الفرصة فعليا للقوى السياسية غير المهيكلة للانضمام لهذا التكتل ، كي تعزز من تواجد القوى الوطنية الحقيقية التي في الساحة السياسية، وان لا تكرر العمل السياسي النمطي الذي اسقط البلد في الماضي القريب.
لقد كانت لحظة التحرير تتويجًا لوحدة الإرادة، وصلابة الموقف، وصدق الانتماء. وما أحوجنا اليوم إلى استحضار ذات الروح، وتوحيد الطاقات، وتوظيف الكفاءات الوطنية المؤهلة، لوضع رؤية استراتيجية تنهض باليمن، وتعيد ثقة المواطن بدولته، وتؤسس لشراكة فاعلة ومستدامة مع الأشقاء في الخليج، تقوم على الإدراك العميق لتفاصيل الواقع اليمني، وتراعي أمنه القومي وخصوصياته الوطنية، في إطار من الاحترام المتبادل والتكامل البنّاء.
كما نُعرب عن تقديرنا العالي للمواقف الدولية، وفي مقدمتها موقف الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، في حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والتصدي للانتهاكات الحوثية التي تمس الأمن الاقتصادي العالمي، وتفاقم من معاناة شعبنا، عبر تعطيل التجارة ورفع كلفة السلع والخدمات.
وفي هذه اللحظة المفصلية، نذكر بأن الوفاء للشهداء لا يكون بالشعارات، بل بالسياسات المسؤولة، وأن الحفاظ على نصر عدن هو امتحان للقيادة، ومعيار للشرعية، وأمانة أمام الله، ثم أمام الشعب والتاريخ.
رحم الله شهداءنا الأبرار، وشفى جرحانا، وحفظ يمننا الغالي من كل شر، وجعل من تضحيات أبنائه جسراً نحو الحرية والكرامة والدولة العادلة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ.د. محمد علي مارم
مدير مكتب رئاسة الجمهورية الأسبق
ممثل القائد الأعلى في قيادة وتحرير العاصمة عدن
17يوليو 2025م