جس نبض" حرية الصحافة وترسيخ الخطوط الحمراء للحرية المتاحة

بقلم: د. عبدالله أحمد
في خطوة أثارت موجة واسعة من الإدانة والاستنكار في الأوساط الصحفية والحقوقية، أقدمت قوة أمنية في عدن يوم 27 سبتمبر 2025، على اقتحام وإغلاق مقر صحيفة "عدن الغد"، واعتقال ناشرها ورئيس تحريرها، الصحفي فتحي بن لزرق المعروف بنقده الصريح للفساد وتردي الأوضاع، دفع بالكثيرين للتساؤل: هل تجاوزت هذه الخطوة الإجراء الإداري أو الأمني إلى محاولة "جس نبض" حقيقية لردود الفعل تجاه التضييق على حرية الصحافة في المدينة؟
ففي سياق يمني عام تتسم فيه حرية الإعلام بالهشاشة والتراجع المستمر، تأتي هذه الواقعة لتعزز المخاوف حول استهداف الأصوات المعارضة.
فبينما بررت الجهات المقتحمة الأمر بـعدم تجديد التصاريح، وهي ذريعة تفتقر للسند القانوني الذي يبيح الاقتحام المسلح، أشار الصحفي بن لزرق إلى أن السبب الحقيقي يكمن في تناول الصحيفة لقضايا حساسة تتعلق بـالجبايات ومظاهر الفساد، إذا فالمسألة ليست إدارية، بل هي محاكمة مبطنة للرأي.
إن هذه الحادثة تحمل دلالات أعمق من مجرد استهداف صحفي ويمكن قراءة هذا الإجراء بأنه:
اولا: محاولة لجس النبض وتقييم ردود الفعل على عدة مستويات منها اختبار ردود الفعل المحلية وتقييم مدى صلابة وصمود الأوساط الصحفية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، وهل سيؤدي هذا الإجراء إلى الرقابة الذاتية وتراجع حدة النقد، وقياس حجم ونوعية الإدانة التي ستصدر من الجهات والمؤسسات الخارجية المعنية بحقوق الإنسان وحرية التعبير.
ثانيا: ترسيخ الخطوط الحمراء بتوجيه رسالة واضحة لا لبس فيها إلى جميع وسائل الإعلام مفادها أن النقد المباشر والعلني لمراكز القوة لا سيما فيما يتعلق بقضايا الفساد والأمن، هو أمر غير مسموح به، وبالتالي محاولة لإعادة تعريف حدود الحرية المتاحة.
لقد أدانت منظمات حقوقية وإعلامية، وشخصيات الإجراءات التي وصفتها بالاعتداء الصارخ على حرية الصحافة والتعبير، وهذه الإدانات ضرورية، لكنها وحدها لا تكفي، فما حدث هو إشارة ينذر بالخطر ويؤكد أن الكلمة الحرة لا تزال محاصرة وملاحقة.
إن الإفراج عن الزميل بن لزرق يجب ألا يكون نهاية القضية، بل بداية لمطالبة حقيقية بـمحاسبة من أمر وقام بالاقتحام والإغلاق، وتوفير بيئة آمنة للعمل الصحفي. لأن كل محاولة إسكات صوت ناقد هي ضربة قوية لجهود بناء الدولة المدنية المنشودة والمجتمع الذي يحترم التعددية ويكفل الحقوق الأساسية.
على السلطات أن تدرك أن تكميم الأفواه لن يحل مشاكل الفساد والفوضى الأمنية، بل سيزيد من احتقان الشارع فالكلمة الحرة هي صمام أمان لا غنى عنها في أي عملية إصلاح حقيقية.
سؤال للتأمل: هل يمكن لوسائل الإعلام والشخصيات الصحفية المستقلة أن تواصل دورها النقدي والرقابي في ظل استمرار سياسة "جس النبض" القمعية؟