هل نحن أمام وجه جديد للجيل Z؟

مسعود عمشوش وأحمد عمشوش

من هم الجيل زد؟

الجيل زد (بالإنجليزية Generation Z) مصطلح يطلق على الشابات والشباب الذين ولدوا في الفترة ما بين منتصف تسعينيات القرن الماضي (1997) وبداية العقد الثاني من هذا الألفية (2010-2012 تقريباً). وهم مجموعة ديموغرافية تلي جيل الألفية وتسبق الجيل ألفا. ومن المعلوم أن الفترة التي أسهمت في تكوين الجيل زد (١٩٩٧-٢٠٢٥) قد تميّزت بالانتشار الواسع للهواتف الذكية، وبروز التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الصناعي، التي أصبحت جزءا أساسيا من الحياة اليومية، جزءا لا يتجزأ من تكوينهم الاجتماعي والثقافي. واليوم تجاوز كثير من أبناء الجيل سن المراهقة. وهناك مجموعة كاملة منهم يتجهون إلى أواخر العشرينات من عمرهم، مما يجعلهم يشكلون قوة مكونا مهما في سوق العمل والكيانات الاجتماعية وأخيرا السياسية.

ومن السمات المميّزة للجيل Z دخولهم مرحلة الرشد في وقت مبكر، فمنذ العام الماضي (2024) هناك زيادة بنسبة 45٪ في الجيل Z الذين يقولون إنهم متزوجون، وزيادة بنسبة 23٪ في أولئك الذين لديهم أطفال. و19٪ من الجيل Z يقعون في موقع تحمل المسؤولية في العمل وصناعة القرار، أي بزيادة 15٪ من العام 2023. وتبيّن هذه التغييرات مدى زيادة تأثيرهم في الحياة الاجتماعية والمهنية، وتنفي وجهة نظر بعض الذين يرددون أنهم يظلون صغارا إلى الأبد.

ويقال إن الجيل زد براغماتيون فيما يتعلق بالعمل، وهذا يكذب الاعتقاد بأنهم كسالى ولا يحبون العمل. ويقدر الجيل Z التوفيق أو التوازن بين العمل والحياة ويبحثون عن وظائف تتوافق مع قيمهم وأهدافهم الشخصية. ويرى بعض المراقبين أن الجيل Z لا يمانعون في البحث عن وظيفة جديدة كل ستة أشهر. وهذا لا يتعلق بعدم الالتزام، بل بالرغبة في البحث عن فرص جديدة توفر لهم مزيدا من النمو والرضا لأنهم يتوقون إلى المرونة والتطور والاستقلالية. ومن المرجح أن يكسب أصحاب العمل الذين يستثمرون في تطويرهم ويدعمون مشاريعهم ولائهم وإخلاصهم.

والجيل Z يميل إلى الادخار والاستثمار، ويبدو أنه ذكي جدا في التعامل مع المال. كما أنهم متقدمون على الأجيال الأخرى عندما يتعلق الأمر بالاستثمار. ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ارتفع عدد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاما ويمتلكون أسهما في لشركات والبورصة منذ عام 2017. وتظهر هذه الاتجاهات جيلا يفكر في المستقبل في مستقبله.

ولن يكون مثيرا للدهشة أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تزال تلعب دورا كبيرا في حياة الجيل Z. لكنهم لا يستخدمونها لمجرد التسلية وضياع الوقت بل يعتمدون عليها للبقاء على اتصال في كل ما يتعلق بشؤون حياتهم الشخصية والمهنية. فبين عامي 2020 و2024 قفز عدد مستخدمي TikTok من الجيل Z الذين يوظفون التطبيق لمراسلة الأصدقاء والعائلة بنسبة 82٪. وشهد Instagram تحولا مماثلا أيضا، مع زيادة بنسبة 28٪ في عدد المستخدمين الذين يسجلون الدخول للمراسلة. 

وبالنسبة للجيل Z الألعاب ليست مجرد وسيلة للاسترخاء أو قتل الوقت بل أنها الطريقة التي يتواصلون بها ويتعلمون بها. ويستخدم الجيل Z الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية - ليس لكسب المعلومات والمهارات المختلفة بل كذلك في إنجاز المهام والإبداع. باختصار الجيل زد ليس مجرد جيل الهواتف بل هو جيل في طريقه إلى وضع بصمته الخاصة، صحيحة كانت أم خاطئة، وبوتيرة أسرع من الأجيال السابقة.

والظاهرة الجديدة والمثيرة التي طرأت على سلوك الجيل زد تكمن في اقتحامهم لعالم السياسة، وزعزعة بعض المسلمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. فمن الواضح أن شباب اليوم مختلف عن أجيال الثمانينيات والتسعينيات الحالمين برياح التغيير التي عصفت بالكتلة الشرقية الشيوعية. فهم من أطاحوا بالحكومة في النيبال الشهر الماضي. وهم أنفسهم من انتفضوا في مدغشقر في نهاية سبتمبر الماضي احتجاجا على انقطاع المياه والكهرباء قبل أن تتحول انتفاضتهم ثورة عارمة سقط فيها قتلى وجرحى. 

وهناك من يرى أن الجيل زد مؤهل للقيام بدور غير متوقع في بعض الأقطار العربية، التي يشكل الشباب تحت سن الثلاثين فيها نحو 56% من السكان، وفق الأمم المتحدة، وأنهم لن يتحملوا ما تحمله أسلافهم من غبن وتهميش، بل سيكونون أكثر جرأة مما كانت عليه الأجيال الماضية.

وإذا الجيل زد لم يشارك، كجيل العقد الأول من الألفية الحالية، في الربيع العربين فيبدو أنه بدأ "يتحرفش" سياسيا. فمنذ أسبوع يقود الجيل زد في المغرب ما يبدو أنها انتفاضة ضد سوء القطاع الطبي، ويمكن أن تتطور بشكل غير متوقع. وليس مستبعدا أن تشهد بلدن عربية أخرى، ومنها بلادنا حركات ذات طابع سياسي يقودها الجيل زد، جيل الهواتف الرقمية والذكاء الاصطناعي. فلنستعد.