الوطنجي!!

قال لي: الوطن ليس فندقًا تتركه عندما تسوء الخدمة.
قلتُ له: أحيّيَك على وطنيتك هذه، فما هو الوطن عندك؟
أجاب: الوطن أهلٌ وعشيرة وذكريات كثيرة، إنه رئتي الثالثة التي لا أستطيع التنفّس من دونها.
قلتُ له: لديك عرض عمل بمليون دولار في الشهر في دولةٍ وراء المحيط، فماذا تقول؟
حزم حقائبه ورحل دون أن يودّع وطنه، وترك "رئته الثالثة" تلهث وراءه.

كلما جلستُ في مجلسٍ وزايد البعض علينا في وطنيتهم، وأنهم مُحالٌ أن يتركوا هذا الوطن مهما حدث، كنتُ متيقنًا من شيئين اثنين: إمّا أن صاحبنا مرتاح جدًّا ماديًا داخل "وطنه"، أو أنه لم يتلقَّ بعدُ العرض المناسب خارجه.
فعندما يأتيه السعر الذي يحلم به، سيبيع وطنه وذكرياته كما يبيع بقايا أثاث بيته.

فهل هذا يعني أن حبّ الوطن مجرّد وهم، وأن كل التضحيات التي قدّمها الآباء والأبناء كانت بلا معنى؟
لا، ليس الأمر كذلك…

وإنما معادلة التضحيات من أجل الوطن ينبغي أن يكون فيها ابتغاءُ الأجر من الله لنُصرة دينه، لا لتحصيل مكاسب أو مناصب.
فإذا أدخلتَ على معادلة الوطن مصالحك الشخصية، تصبح القصة تجارة: من يدفع أكثر يكسب.

لذا حدّثني عن حبك للوطن عندما تخسر وظيفتك، وتسكن بيتًا للإيجار، وتتراكم عليك الديون، ويطاردك الدائنون في كل مكان، وأنت لا تملك ثمن دواء والدتك، ولا كيف تعالج ابنك من مرضه العضال، ولا مال لديك لشراء حليب طفلك الذي يبكي ليل نهار، ولا لإصلاح سيارتك التي تعمل يومًا وتتوقف عشرة.
و"انتظام الكهرباء" آخر مشاكلك في هذا الوطن.

لا تحدثني عن الوطن وأنت ممتلئ البطن والجيب، لك أرصدة تتكئ عليها، وعلاقات اجتماعية قائمة على خدمتك كلما احتجت.
كل مصالحك ومصالح أولادك تُقضى بمكالمة هاتفية منك، ولا يعنيك حضرت الكهرباء أم غابت في وجود مولداتك التي تعمل تلقائيًا، وأنت تنتقل في هذا الصيف القائظ من مكيّف المكتب إلى مكيّف السيارة إلى مكيّف البيت.
الوطن عندك يا سيدي هو كل حزمة الرفاهية هذه؛ فإذا غابت عنك، ستلعن سنسفيل هذا الوطن الذي تتبجّح بحبه في كل مجلس، بعد أن تتحسس جيبك المليء بأموال الوطن الغلبان.