من العمل التطوعي إلى الارتزاق والارتهان للمموّل

مسعود عمشوش

حتى قبل سبعينيات القرن الماضي كنّا نمارس بعض أشكال العمل التطوعي والخيري الجماعي والفردي. وكان الجميع؛ فقراء وميسوري الحال، يشاركون فيه. ويمكن أن أذكر هنا، على سبيل المثال، أن المدرستين الأهليتين بقرن سيؤن الطويلة وسحيل سيؤن قد بدأ العمل فيهما بشكل تطوعي جماعي في مطلع ستينيات القرن الماضي.

ومنذ منتصف القرن الماضي وحتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي كان الانضمام للأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات لا يتم إلا مقابل رسوم شهري بسيط يدفعه كل عضو. وهذه الرسوم تحمي تلك المكونات من الارتهان لطرف يقبل التمويل مقابل ضمان سير المكون أو الحزب وفق هواه.

وأتذكر أنني حضرت حفل تأسيس لحزب سياسي متواضع في سيؤن، وكانت أول نقطة في الاجتماع: طريقة تسديد رسوم الاشتراك في الحزب. وكانت الأندية الرياضية تعتمد بشكل كبير على ما يدفعه الأعضاء من رسوم شهرية بسيطة.

وقد بلغ العمل التطوعي في بلادنا ذروته بعد أن تشبّعنا بروايات مكسيم غوركي صاحب (الأم)، وميخائيل شولوخوف مؤلف (الدون الهادئ) التي تمجّد العمل في الكولوخوزات الشيشانية، ومجلات بناء الصين وشباب الصين، وبعد أن تفاخرنا بارتداء قبعات كاسترو الكاكية بدلا من كوافينا البيضاء. وشيدنا مدارس ومراكز ثقافية. ولم يكن من يقودنا سارقا ولم يخلف لا فللا وسيارات ولم يمتلك شققا في الفيصل أو شرم الشيخ أو اسطنبول.

أما اليوم، فقد أصابتنا لعنة المال. ولم يعد هناك عمل تطوعي، ولا عمل خيري برئ ونزيه 100%. ولا من مصلي إلا وطالب مغفرة. وكلنا بغينا القرش. وباجمال قالها بصراحة: إللي ما سرق واغتناء في وقت علي عبد الله صالح جاحد وغبي.

وللأسف موجة ممارسة السياسة والانضمام للأحزاب والكيانات السياسية بهدف السرقة والهبر والفساد لم تزول برحيل علي عبد الله صالح. ويبدو فعلا أن قطع العادة عداوة. فمن لشع أو لزق فوق كرسي حكومي أو حزبي أصبح همّه الأول سيارة ليلى علوي وشقة في الفيصل وكم فلل وقطع باسمه وباسم أولاده حتى الذين لم يروا النور بعد. 

لهذا فالعمل التطوعي أصبح اليوم يدخل في باب المزايدات والكلام الفاضي للأسف. وما فيه داعي تخدرونا مرة ثانية.