زعيم شرق أوسطي مختلف

لا ينكر إلا مهووس أو مختل أن زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت ملامح مرحلة جديدة، ليس للمملكة فحسب، بل لمنطقة الشرق الأوسط كلها. فطرح الملفات الساخنة في المنطقة على طاولة الزعيمين يجعل الأمر أوسع من مجرد علاقة بين دولتين كبيرتين، ليشمل شؤونًا أعمق وأكبر تمسّ جميع دول العالم.
والحقيقة أن سياسة المملكة العربية السعودية قد عوّدتنا منذ وقت مبكر على أن لغة الشطط والعنتريات ليست سبيلًا لمعالجة المشكلات المرتبطة بمصالح كبرى، ولهذا رأينا كيف أن سياسة الثبات والنَفَس الطويل قد جعلت المستحيل ممكنًا، طالما قَبِل الآخر الحديث عن هذا المستحيل. الدولة الفلسطينية نموذجًا، فالموقف السعودي لم يتغير منذ مبادرة الملك عبدالله ـ رحمه الله ـ في القمة العربية في بيروت عام 2004، وإن تغيّرت اللغة ووسائل الضغط.
يتهكم البعض بورقة البترول و"البقرة الحلوب" كما يحلو للغربان المنفردة، ونسوا أن الرئيس ترامب نفسه قال إن أمريكا تمتلك أكبر مخزون نفطي في العالم. ثم إن الأموال التي لا تُستخدم في التنمية وتوظيف وسائل العصر لخدمة الإنسان تفقد قيمتها الحقيقية التي تنعكس — إيجابًا — على الدولة والمجتمع، كما فعلت أيضًا دولة الإمارات العربية المتحدة.
ثم إن هذا البعض لم يستوعب موقع ومكانة المملكة العربية السعودية، التي تقع على أهم بحرين يربطان دول شمال الأرض بجنوبها، وهما البحر الأحمر والخليج العربي، ناهيك عن مكانتها الدينية كمهبط الوحي وبلاد الحرمين الشريفين. وإذا عجز هذا البعض عن إجادة لغة العصر المتمثلة في المصالح المتبادلة، فهذه مشكلته هو، لا مشكلة الآخرين.
تحدث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر الصحفي الذي عقد في البيت الأبيض بمشاركة الرئيس ترامب بلغةٍ مغايرة لما اعتدناه من الزعماء الذين زاروا البيت الأبيض؛ فقد كان واضحًا حين تطرق إلى العلاقات السعودية ـ الأمريكية، عندما قال إنها تاريخية وقائمة على المصالح المتكافئة لا على المجاملة ولا المحاباة. ولم يتردد في الإجابة عن الأسئلة "المسمومة"، رغم غضب الرئيس الأمريكي من بعض المراسلين.
وبيّنت حفاوة الاستقبال أننا أمام زعيم شرق أوسطي مختلف، يدرك أهمية المصالح في تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وأنه يشكّل إضافة جبّارة إلى العقل السياسي العربي. كما أن للمملكة دورًا بارزًا ستشهده العقود القادمة، يضع منطقة الشرق الأوسط على طريق الاستقرار والنمو.