الهجرين الرابضة وسط أشجار النخيل

مسعود عمشوش

عند الحديث عن الأهمية السياحية والأثرية للمدن والقرى الحضرمية لا يمكن أبداً تجاهل مدينة الهجرين، التي تعد إحدى أهم مدن حضرموت الغربية، وتقع فوق تل مرتفع يتوسط مدخل وادي دوعن من جهة الشمال، بعد التقاء فرعيه لأيمن ولأيسر.

وتبدو الهجرين، وهي رابضة فوق ذلك التل، الذي يبلغ ارتفاعه 950 مترا تقريباً، كأنها جزيرة تتربع فوق حصن منيع. وقد قال عنها المؤرخ ابن عبيد الله في كتابه (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت): "هي واقعة في حضن جبل فارد جاثم على الأرض كالجمل البارك من غير عنق، تحفّ بسفوحه النّخيل من كلّ جانب، متجانف طرفه الغربيّ إلى جهة الجنوب، وطرفه الشّرقيّ إلى جهة الشّمال. وموقع الهجرين في جنبه الأيسر".

وهناك شبهٌ كبيرٌ بين تضاريس مدينة الهجرين الحضرمية وبلدة (القارة)، الواقعة وسط واحة خضراء مليئة بالنخيل، في الإحساء بشرق المملكة العربية السعودية، والتي يؤكد المؤرخون أنها كانت عاصمة ملوك كندة، وتوجد بها اليوم مقابر بعض منهم. ومن المعلوم أن جبل القارة يعد من أبرز المعالم السياحية الطبيعية في الأحساء، وسُجّل في لائحة التراث العالمي سنة 2018.

وكانت الهجرين، التي تعد إحدى أقدم مدن حضرموت التاريخية والثقافية، المكان الذي قضى فيه الشاعر الجاهلي المعروف أمرؤ القيس الكندي جزءا من أيام شبابه ولهوه. ويقال إن خبر وفاة أبيه في القارة بلغه وهو يلهو في الهجرين. ولا تزال كثير من قبائل قبيلة كندة العريقة، مثل آل بن عفيف وآل باسلامه (باداس) وآل بن محفوظ، يقطنون مدينة الهجرين.

ويقال إن أصل تسمية الهجرين هو "الهجران" مثنى "هجر"، التي تعني القرية بلغة حمير. وقد ذكر الهمداني في صفة جزيرة العرب: "الهجران قريتان متقابلتان في رأس جبل يطلع إليه من كل جانب يقال لأحدهما (خيدون) وقد سكنها بنو الصدف من كنده وللأخرى (دمون) وسكنها بنو الحارث المذكورة في أشعار امرئ القيس، ودمون اسم لساقية (مجرى ماء).

واليوم تعد الهجرين موقعا أثريا وسياحيا مهما، إذ أنها تقع بالقرب من مستوطنة ريبون التاريخية المدينة، التي يعود تاريخها إلى ما قبل القرن السابع قبل الميلاد، والتي تمّ فيها أكبر عدد من التنقيبات الأثرية في حضرموت.

ويطل على الهجرين جبل المنيصور الذي توجد به جوابي للمياه ونقوش ومنحوتات طمست مع مر الزمن، ويحرص السياح الزائرون على الصعود إليه رغم أن الطريق المؤدي إليه وعرة وجبلية.

ومن المعالم السياحية في الهجرين كهف القزة، الذي يعود إلى العصر الحجري، وقد ذكره الهمداني بقوله: "ولهم غيل يصب من سفح الجبل".

وهناك بعض المزارات الدينية في الهجرين، مثل البيت الذي نزل فيه أحمد بن عيسى عندما هاجر من العراق إلى حضرموت، وكذلك زاوية الشيخ أحمد بالوعار التي اندثرت وطمست معالمها.

وتكتسب بيوت الهجرين الشاهقة المتراصة، وذات النمط المعماري الطيني المتميّز عن منازل شبام وتريم وسيؤن، جمالا فريدا يجذب اهتمام الزائر الذي يندهش لرؤية تلك البيوت وسط حزام من أشجار النخيل. وما يميّز الهجربن عن القارة بالإحياء وجود أشجار السدر التي يشتهر بها وادي دوعن.

وتضم المنطقة المحيطة بالهجرين بعض القرى والبلدات الأثرية مثل: غار السودان، وخريخر، وصليع، والقزة، والجدفرة، ونحولة، وميخ، والمشهد، وحوطة النور.