حين يسقط القناع!!.. الردّ الإماراتي بين الفجور السياسي وانكشاف الأجندة
لم يكن التصريح الإماراتي الاخير مجرد رد فعل عابر على قصف سفينتين محملتين بالسلاح، بل جاء بيانا سياسيا صادما كاشفا لسقف الخطاب الحقيقي الذي تتعامل به ابوظبي مع الشرعية اليمنية وما حاولت اخفاءه طويلا خلف لغة الشراكة والتحالف. فحين يصف مستشار لرئيس دولة الهجوم على ميناء يمني بأنه “ليس بطولة”، ويعلن انتهاء صلاحية رئيس المجلس الرئاسي، فإن الامر يتجاوز الرأي السياسي الى تهديد مباشر لشرعية يفترض أن الإمارات كانت جزءا من تحالف جاء لدعمها لا لتقويضها.
هذا الخطاب الصادم لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لمسار بدأ منذ انطلاق عاصفة الحزم، حين تجاوز الدور الاماراتي حدود الشراكة داخل التحالف، متحولا الى مشروع نفوذ مستقل. فبدل توجيه الجهود نحو الهدف المركزي المعلن ـ إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة ـ انخرطت ابوظبي في دعم وتسليح المجلس الانتقالي الجنوبي وتمكينه من التمدد على الارض واحتكار المشهد السياسي في المحافظات الجنوبية وإقصاء مكونات جنوبية اخرى تمثل عمقا تاريخيا واجتماعيا وجزءا اصيلا من الحراك الجنوبي وتنوعه.
والمفارقة أن التصريح الإماراتي لم يحاول انكار هذا الدور، بل تباهى به، مؤكدا “الدعم السياسي والعسكري السخي” للحلفاء. غير أن الاجابة عن السؤال الجوهري تكمن في تعريف هؤلاء الحلفاء. هل هم الدولة اليمنية ومؤسساتها، ام كيان مسلح خارج اطارها؟ الوقائع على الارض تجيب بوضوح، حيث جرى توظيف مطالب ابناء الجنوب العادلة كغطاء لتنفيذ اجندة تتعلق بالسيطرة على الموانئ والممرات البحرية، وتحويل الجغرافيا اليمنية الى اوراق ضغط اقليمية.
ومن دون التشكيك في حق أبناء الجنوب في تقرير مصيرهم، فإن سلوك المجلس الانتقالي الاحادي افرغ القضية من مضمونها الوطني، وحولها الى اداة بيد الإمارات، وهو ما تؤكده تسريبات وتصريحات صدرت عن قيادات واعلاميين محسوبين عليه، كشفت عن استعداد للذهاب بعيدا في مشاريع لا تعبر عن الارادة الشعبية الجنوبية بقدر ما تخدم مصالح خارجية.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الخطوات التي اتخذها المجلس الرئاسي اليمني، والتي مثلت ـ للمرة الأولى ـ موقفا صريحا رافضا للتدخل الإماراتي الفج في الشأن اليمني، بما في ذلك الغاء اتفاقية الدفاع المشترك معهم، ورفع الصوت سياسيا ضد ممارسات تضر بوحدة المعركة الوطنية. ولم تأتِ هذه الخطوات من فراغ، بل من ادراك خطورة حرف البوصلة، وفتح جبهات توسع في المحافظات الشرقية، في وقت ما تزال فيه الاولوية الوطنية الحقيقية هي إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة كاملة غير منقوصة.
قانونيا، فإن ما تقوم به الإمارات من دعم مليشيات والتدخل المباشر وغير المباشر في الشأن اليمني يشكل انتهاكا صارخا لمبادئ السيادة وعدم التدخل، ويضعها في خانة الدول التي تسهم في تفكيك المجتمعات العربية، لا استقرارها، وهو نمط لم يعد محصورا في اليمن، كما تكشف تجارب أخرى في الإقليم.
إن خطورة التصريح الإماراتي تكمن في صراحته الوقحة؛ إذ اعلن بوضوح أن الشرعية لم تعد شريكا، وأن القرار اليمني يُراد له أن يكون تابعا. وهنا، تصبح مسؤولية القوى الوطنية مهمة وأن تكون اكثر حسما ووضوحا، سواء في اعادة تعريف معركتها و مواجهة مشروع الوصاية الإماراتي دفاعا عن الدولة، وعن القضايا العادلة من أن تتحول الى ادوات صراع ونفوذ. فالدول تُبنى بالشراكة والاحترام، لا بالوصاية والتهديد. والتحالفات تصان بالالتزام بالاهداف المعلنة، لا بدهسها حين تتعارض مع المصالح. وما لم يقرأ هذا الرد الإماراتي بأنه: إعلان رسمي يتعارض مع منطق دعم الشرعية، فإن القادم سيكون اكثر كلفة، على اليمن اولا، وعلى المنطقة بأسرها.
