إلى أين تتجه العلاقات المصرية - الإسر.ائيلية؟

إلى أين تتجه العلاقات المصرية - الإسر.ائيلية؟

اتخذت الانتقادات المصرية للإجراءات الإسرائيلية بشأن الحرب في قطاع غزة منحى تصاعدياً، إذ تزامن اتهام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل بـ«عرقلة وصول المساعدات إلى غزة»، مع تقارير إسرائيلية أشارت إلى رفض الرئاسة المصرية طلباً بتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع السيسي هاتفياً، ما عدّه مراقبون مؤشراً على «احتقان» في العلاقات بين البلدين.

وانتقد السيسي الإجراءات الإسرائيلية التي تتسبب في عرقلة دخول المساعدات إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية، مؤكداً خلال احتفالية في مصر بـ«عيد الشرطة»، الأربعاء، أن «معبر رفح مفتوح يومياً، وعلى مدار 24 ساعة، إلا أن الإجراءات التي تتم من الجانب الإسرائيلي - حتى نستطيع إدخال المساعدات دون أن يتعرض لها أحد - هي التي تؤدي لذلك»، وأضاف أن «ذلك يعد أحد أشكال الضغط على القطاع وسكانه من أجل موضوع إطلاق سراح الرهائن».

ويعد هذا التصريح من جانب الرئيس المصري، الذي يحرص في معظم الأحيان على عدم توجيه انتقادات علنية ومباشرة لأطراف إقليمية أو دولية، هو الأبرز من جانب مصر في هذا الصدد، إذ اكتفت السلطات المصرية سابقاً بالإشارة إلى الإجراءات الإسرائيلية، إما ضمن بيانات رسمية للخارجية المصرية، أو عبر تصريحات لرئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وهي جهة إعلامية تابعة للرئاسة المصرية.

وجاء الانتقاد الرئاسي لإسرائيل في أعقاب تحميل الأخيرة لمصر «مسؤولية منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة» خلال نظر قضية «الإبادة الجماعية» التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية، منتصف الشهر الحالي، ما أثار غضباً مصرياً حينها.

ورداً على ذلك الاتهام، أعلن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، أن القاهرة «سترسل رداً إلى محكمة العدل الدولية  للتأكيد على أنها لم تغلق معبر رفح».

رفض مصري

تزامن تصاعد وتيرة الانتقادات المصرية للمواقف الإسرائيلية مع ما ذكرته تقارير إعلامية إسرائيلية (الأربعاء)، حول رفض مكتب الرئيس المصري طلباً من رئيس الوزراء الإسرائيلي لمحادثة السيسي هاتفياً. ووفقاً لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فإن مكتب نتنياهو حاول عبر مجلس الأمن القومي تنسيق المحادثة في الأيام القليلة الماضية، لكن تم رفضها.

وأشارت الصحيفة، نقلاً عن «القناة 13» التلفزيونية الإسرائيلية، إلى أن الأمر «مرتبط بالتوترات حول مسألة من سيسيطر على الحدود بين مصر وغزة بعد انتهاء الحرب الحالية، حيث تحدثت تقارير عن أن إسرائيل تسعى للسيطرة على الحدود». وقالت إن هناك اتصالات تجرى على مستوى أدنى بين البلدين، وإن وفوداً إسرائيلية زارت القاهرة في الأسابيع الأخيرة.

وتسببت التصريحات الإسرائيلية بشأن السيطرة على محور «فيلادلفيا» المحاذي للحدود المصرية، لمنع تهريب أسلحة إلى داخل قطاع غزة عبر أنفاق تمر من سيناء المصرية أسفل الشريط الحدودي، في ردّ مصري، صرّح به رئيس «الاستعلامات»، الذي وصف التصريحات الإسرائيلية بأنها «ادعاءات وأكاذيب»، واعتبرها «محاولة لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا، بالمخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها وبين مصر».

ومحور فيلادلفيا هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل، وتصاعد التركيز الإسرائيلي عليها منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما أشار نتنياهو في مؤتمر صحافي إلى أن منطقة «محور فيلادلفيا» ينبغي أن تكون تحت سيطرة إسرائيل.

وشدّد الردّ المصري على أن أي تحرك إسرائيلي باتجاه إعادة احتلال محور فيلادلفيا «سيؤدي إلى تهديد خطير وجديّ للعلاقات المصرية - الإسرائيلية».

علاقات «محتقنة» 

وصف السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، مساعد وزير الخارجية سابقاً، العلاقة بين القاهرة وتل أبيب حالياً بأنها «محتقنة»، مشيراً إلى أن «الأكاذيب» الإسرائيلية حول مسؤولية مصر عن عدم دخول المساعدات إلى قطاع غزة كانت سبباً في زيادة ذلك الاحتقان، خاصة أن مصر منذ بداية الأزمة وهي حريصة على إدخال المساعدات لسكان قطاع غزة، ونظّمت زيارات لمسؤولين دوليين وأمميين للاطلاع على حقيقة الموقف في معبر رفح، وزاد من الاحتقان كذلك الرغبة الإسرائيلية المحمومة للسيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا).

وأضاف حسن  أن رفض الرئيس المصري تلقي اتصال رئيس الحكومة الإسرائيلية «منطقي»، مشيراً إلى أنه في ظل المواقف الإسرائيلية التي لا تتجاوب مع جهود التهدئة، بل تدفع باتجاه التصعيد، وتوجه اتهامات زائفة لمصر، فإنه «لا مجال للحوار»، وأن الرفض المصري «يفوت الفرصة على رئيس الوزراء الإسرائيلي للحديث عن تفاهمات مع مصر بشأن الإجراءات الإسرائيلية»، وهو ما كان سيسعى إلى توظيفه في الداخل الإسرائيلي وإلى تشويه علاقة مصر مع الفلسطينيين.

وأوضح الدبلوماسي المصري السابق أن هناك قنوات دبلوماسية وأمنية موجودة، إذا كان لدى الإسرائيليين ما يريدون إيصاله للقاهرة، معتبراً أن تصعيد لهجة الانتقادات المصرية «يعكس ما وصلت إليه الأمور من تدهور»، التي بلغت برأيه «قمة التوتر السياسي والإعلامي». وحذّر من إمكانية أن تتصاعد الأمور إذا واصلت إسرائيل نهج الاستفزاز والتلاعب، مطالباً بأن يكون هناك دور لشركاء إسرائيل، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لتحجيم الجنوح الإسرائيلي لزيادة رقعة التوتر والصراع بالمنطقة.

وحذّرت مصر مراراً من خطورة استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وطالبت بوقف شامل لإطلاق النار، كما انخرطت في وساطة، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، لوقف القتال وتبادل الأسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، ونجحت تلك الجهود في التوصل إلى هدنة دامت أسبوعاً في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

سياسة ضبط النفس

بدوره، أكد د. خالد فهمي، المستشار بمركز الدراسات الاستراتيجية، التابع للقوات المسلحة المصرية، أن مصر «لا تزال ملتزمة بضبط النفس والتعامل بمسؤولية تجاه الاستفزازات الإسرائيلية»، مشيراً إلى أن «تحلي ردّ الفعل المصري بالانضباط يرجع إلى رغبة القاهرة في الاستمرار في لعب دور حيوي في إدخال المساعدات للسكان في قطاع غزة، ومواصلة جهود الوساطة لوقف الحرب، رغم الضغوط والتحديات، ومنها مواقف قطاعات في الرأي العام المصري تدفع باتجاه اتخاذ قرارات انفعالية».

ووصف فهمي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ما ذكر عن رفض الرئيس المصري تلقي اتصال نتنياهو، وكذلك انتقاده العلني لعرقلة إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة، بأنه «رسالة قوية وواضحة لإسرائيل وداعميها»، لافتاً إلى أن تصاعد حدة الخطاب المصري «يعكس ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف العدوان وعدم المضي قدماً في إشعال الأزمات بالمنطقة».

وشدّد على «قدرة مصر على حماية أمنها القومي والتصدي لأي مخاطر»، وأن الهدوء في ردود الفعل «ينبغي أن يُفهم بطريقة صحيحة»، مؤكداً أن الضغوط والاستفزازات الإسرائيلية «لن تجبر القاهرة على التخلي عن دعمها للفلسطينيين أو القبول بتهجيرهم».