على هامش المؤتمر التشاوري حول سبل الارتقاء بمخرجات الجامعة
مسعود عمشوش
في الفترة من 25 إلى 26 من شهر فبراير الراهن بادرت جامعة عدن إلى تنظيم مؤتمر تشاوري حول سبل الارتقاء بمخرجاتها وربطها بسوق العمل وبرامج التنمية المستدامة في بلادنا. وعلى الرغم من السمعة والخبرة اللتين اكتسبتهما جامعة عدن العريقة، التي انطلقت منذ سنة 1970، فهذه المبادرة تتضمن سعي الجامعة إلى تطوير برامجها ومناهجها بهدف تمكين الطلبة الملتحقين بها من اكتساب المعارف والمهارات والتدريبات والخبرات اللازمة لدخول سوق العمل وضمان الحصول على فرص التوظيف والمنافسة بيسر.
ومن المؤكد أن هناك جملة من العوامل قد أدّت إلى تراجع مستوى التعليم الجامعي في بلادنا بشكل عام، ويتجاوز بعضها إطار الجامعة، وعلى رأس تلك العوامل ضعف مخرجات التعليم الأساسي والثانوي. ومع ذلك علينا الاعتراف أن ضعفَ التعليم الجامعي ظاهرةٌ معقدة وذات أبعاد متعددة، ولن يكون من السهل اختزالها في سبب واحد أو وجهة نظر شخص واحد. ويمكن الإشارة هنا إلى تدني مستوى التدريب والتطبيق العملي في جامعاتنا بوصفه أحد أبرز أسباب ضعف التعليم في جامعاتنا، التي لا يزال الطابع النظري الأكاديمي يهيمن على خطط برامج معظم كلياتها، حتى تلك التي تنعت نفسها بالتطبيقية. ومن المعلوم أن أهم فرق بين التعليم الأساسي والثانوي وبين التعليم الجامعي يكمن في أن الأول يهدف أساسا إلى رفد الطالب بكم هائل من المعارف والمعلومات، أما الثاني – التعليم الجامعي- فيهدف إلى تأهيل الطالب في تخصص معيّن ليعده لممارسة تخصصه من خلال إكسابه المعلومات والمهــارات اللازمة لممارسته بشكل متميّز، أي أن الجانب التطبيقي والعملي في الدراسات الجامعية هو العنصر الأهم. لذا نجد أن كل كلية من كليات جامعة عدن تضم نيابة للتدريب الميداني وخدمة المجتمع.
وفي هذا السياق، علينا التمعن جيّداً في ملاحظة مهمة وردت في المداخلة التي ألقاها الدكتور أبوبكر باعبيد رئيس الغرفة التجارية بعدن في الجلسة الأولى من أعمال هذا المؤتمر التشاوري؛ فهو يؤكد أنه لن يتم توظيف أي شخص لمجرد أنه يحمل شهادة جامعية في هذا التخصص أو ذاك، إذ أنّ صاحب المؤسسة يبحث في المقام الأول عن صاحب المهارات والكفاءات والخبرة إن أمكن. وعليه ينبغي على الأقسام العلمية أن تعزز برامجها بالمهارات والتطبيق العملي والتدريب المكثف.
ومن المؤسف فعلا أن الخطط الدراسية لمعظم كليات العلوم الإنسانية وبعض كليات العلوم التطبيقية تهمل الجانب التطبيقي والعملي لأسباب كثيرة، فلم يتم -حتى الآن- إلزام الأقسام العلمية بتحديد مساحة إجبارية للساعات العملية لكل مساق ضمن خططها الدراسية. كما تعاني معظم الأقسام العلمية من عدم وجود المختبرات الحديثة والمعدات والاستديوهات والمستشفيات الجامعية المجهزة. وهناك معضلة الأعداد الكثيرة في الصفوف وعدم قدرة الكليات على توزيع الطلبة في مجموعات صغيرة. وكذلك ضعف تأهيل المدرسين. كما أن اللوائح الجامعية الحالية تحسب كل ساعتين تدريب عملي بساعة واحدة في النصاب بينما تحتسب ساعة التدريس النظري بساعة في النصاب التدريسي لعضو هيئه التدريس. وقد أكد الأستاذ الدكتور عبد الحكيم التميمي، عميد كلية الطب والعلوم الصحية، في الجلسة الأخيرة من المؤتمر، على ضرورة قيام الجامعة بإعادة النظر في هذه اللوائح التي لا تشجع الأساتذة على تغطية الساعات اللازمة للتطبيق والتدريب العملي.
كما أن طرق التقييم الحالية تعتمد بشكل اساسي على الامتحانات التحريرية، التي لا ترصد بالضرورة مستوى إتقان الطالب للمهارات العملية التي اكتسبها خلال الفصل. والمصيبة أن هناك اعتقادا – في كثير من دول العالم الثالث- يقرن الدراسات الجامعية بالصبغة الأكاديمية النظرية، ويبعدها عن واجب إكساب الطالب المهارات العملية التي تقرن بالتعليم الفني وليس الجامعي. ونتيجة لترسخ هذا الاعتقاد وضعف مخرجات الجامعات في العالم الثالث تشجع المنظمات العالمية دول العالم الثالث على الاهتمام بالتعليم الفني وإهمال التعليم الجامعي.
ومن العلوم أيضا أن أهم سمة للنسق التعليمي في عصر العولمة وثورة تقنيات المعلومات تكمن في الانتقال من اعتبار اكتساب المعرفة هو غاية التعليم إلى اعتبار استخدام المعرفة وتوظيفها هو الهدف الأساسي للتعليم. وهذا يعني التخلص من النزعة السلبية في التعامل مع المعرفة، والانتقال إلى إيجابية البحث والاستكشاف ومتابعة تطبيق المعرفة واقعيا من خلال التعامل مع المواقف والمشكلات الحياتية والعملية، أي تحويل المعرفة النظرية إلى معرفة عملية. وتوظيف المعرفة عمليا يستدعي ربط المؤسسات التعليمية، لاسيما الجامعية، بالمؤسسات المجتمعية والإنتاجية. وفي اعتقادي أن التعليم لا يمكن إلاّ أن يستفيد من توطيد علاقته بسوق العمل. وهذه العلاقة لا تعني مطلقا أن على التعليم الجامعي أن يتنازل عن خصائصه البحثية والثقافية والتنويرية كما يزعم بعض معارضي إيجاد هذا النوع من العلاقات. فقيام علاقة وثيقة بين منظومة اكتساب المعرفة والنشاط الإنتاجي في أي مجتمع، من خلال القطاع الإنتاجي الخاص والحكومي، شرط جوهري لحيوية المنظومة، وتكريس دورها في رفع مستوى الإنتاج والدخل في المجتمع. ولا شك أن هذه الرؤية الحديثة للتعليم الأساسي والجامعي تؤدي إلى خلق التحام عضوي بين مؤسسات التعليم والبحث العلمي من جهة ومواقع العمل التي يمكن يتم فيها التطبيق العملي وتدريب الطلبة جهة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك فهي تزيل تهمة (الاكتفاء بالطابع النظري الأكاديمي) عن التعليم الجامعي وتكسبه طابعا عملياً (تقنيا) يحميه من منافسة الأنماط الأخرى من
التعليم.