كيف تعمل متاهة الأنفاق أسفل قطاع غزة؟ تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز" يسلط الضوء
بعدما بدأت إسرائيل حربها في غزة تسلطت الأضواء كثيرا على شبكة أنفاق حماس في القطاع المحاصر وكيف تشكل تحديا أمام القوات البرية على الأرض، وبينما يشق الجيش الإسرائيلي طرقه داخل المدينة، يشير تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن “الخطر الأكبر قد يكمن تحت الأقدام”.
وكان مقاتلو حماس، الذين شنوا هجوما دمويا على إسرائيل الشهر الماضي قاموا ببناء متاهة من الأنفاق المخفية، التي يعتقد البعض أنها تمتد عبر معظم، إن لم يكن كل قطاع غزة.
ولطالما وصفت الشبكة بـ”مترو غزة”، وأطلقت عليها تقارير غربية أخرى اسم “المتاهة العنكبوتية”، ويوضح تقرير الصحيفة الأميركية، الذي أرفق بتحليل وصور، أنها “ليست أنفاقا فحسب”.
وحتى الآن لا يعرف ما إذا كانت القوات الإسرائيلية التي دخلت إلى مدينة غزة ستواصل تقدمها إلى مناطق أخرى سواء في شمالي القطاع أو في جنوبه.
“أكبر من أنفاق”
ويعاني قطاع غزة من “مزالق مروعة” يعلمها الجنود الإسرائيليون ويتوقعون خطورتها في حرب المدن كالكمائن الشاهقة والرؤية المقطوعة، والأهم “الأنفاق المفخخة” عند المداخل.
ويشير تقرير “نيويورك تايمز” إلى أن الأنفاق المحفورة أسفل قطاع غزة عبارة “عن ممرات تحت مناطق سكنية كثيفة”، تسمح للمقاتلين بالتحرك بحرية، بعيدا عن “أعين العدو”.
ويعتقد الباحثون أنها تحوي أيضا مخابئ لتخزين الأسلحة والغذاء والماء، وحتى مراكز قيادة وشبكات واسعة بما يكفي لعبور المركبات.
و”تعمل الأبواب والبوابات ذات المظهر العادي كنقاط دخول مقنعة، مما يسمح لمقاتلي حماس بالانطلاق في مهام ثم العودة بعيدا عن الأنظار”، كما توضح “نيويورك تايمز” في إشارة منها إلى الفتحات الخاصة بالأنفاق، التي أعلن الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة استهدافها.
ولا يوجد لدى أي شخص خارجي خريطة دقيقة للشبكة التي تستخدمها الحركة، بينما شاهدها القليل من الإسرائيليين بشكل مباشر.
ومع ذلك تشير الصور ومقاطع الفيديو والتقارير الواردة من الأشخاص الذين كانوا في الأنفاق إلى الخطوط العريضة الأساسية للنظام وكيفية استخدامها.
وتتضمن المادة المصدر التي نشرتها عنها الصحيفة الأميركية صورا التقطها صحفيون داخل الممرات، وروايات للباحثين الذين يدرسون الأنفاق، وتفاصيل الشبكة التي خرجت من القوات الإسرائيلية عندما غزت غزة عام 2014.
“قسمان”
ويسلّط التقرير والتحليل الذي نشرته “نيويورك تايمز” الضوء على أنفاق حماس، ويوضح أنها مقسمة إلى نوعين، الأول “تكتيكي” أو أشبه بالهياكل الخرسانية المسلحة، التي تعتبر أكثر من مجرد أنابيب عبور.
وتوضح الصحيفة أن النوع المذكور “بمثابة ملاجئ ضد الهجمات وغرف التخطيط ومستودعات ذخيرة ومساحات للرهائن”.
ولطالما أعلنت إسرائيل أن تدمير الأنفاق يمثل أحد أبرز أهدافها في غزة، إلى جانب آخر يرتبط بتفكيك والقضاء على حماس، في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي أطلقته في السابع من أكتوبر.
وكان الجيش الإسرائيلي قد استخدم وجود “الأنفاق” كمبرر لقصف المناطق المدنية في غزة، بما في ذلك غارة جوية إسرائيلية كبيرة ضربت منطقة مكتظة بالسكان في حي جباليا.
لكن حماس نفت وجود أنفاقها تحت بعض المواقع المحددة التي ضربتها إسرائيل، وغالبا ما يكون من المستحيل التحقق من مزاعم إسرائيل، حسب الصحيفة.
“شبكة عنكبوت”
ولتدمير الأنفاق على الأرض، ستحتاج القوات الإسرائيلية في غزة إلى العثور على مداخل غالبا ما تكون مخفية في أقبية المباني المدنية، وتؤدي إلى أنفاق مبطنة بالخرسانة، كما تشير صور نشرتها “نيويورك تايمز”.
وقال الخبراء إن طولها عادة ستة أقدام ونصف وعرضها ثلاثة أقدام، مما يجبر المقاتلين على التحرك من خلالها في صف واحد.
ويتطرق تقرير الصحيفة الأميركية إلى قصة امرأة إسرائيلية تبلغ من العمر 85 عاما، احتُجزت كرهينة لمدة 17 يوما في الأنفاق، وبعد الإفراج عنها أوضحت أنها سارت عبر “شبكة عنكبوت” من الأنفاق الرطبة.
وأضافت أنها وصلت في النهاية إلى قاعة كبيرة كان يوجد بها أكثر من 20 رهينة.
ويعتقد أنه لا يزال هناك أكثر من 200 رهينة إسرائيلية تحتجزهم حماس، ومن المرجح أن العديد منهم موجودون في نفس الأنفاق التي تهدف إسرائيل إلى تدميرها.
وسبق أن قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إعادتهم إلى الوطن أحد الهدفين الرئيسيين للغزو، والآخر هو “تدمير حماس”.
“أنفاق تهريب”
وفي غضون ذلك، جاء في تقرير “نيويورك تايمز” أن القسم الثاني من الأنفاق التابعة لحماس مرتبط بعمليات “التهريب”.
وبعد وصول الحركة إلى السلطة في عام 2007، مع تشديد إسرائيل حصارها على القطاع، نمت شبكة واسعة من أنفاق التهريب تحت الحدود بين غزة ومصر.
وتستخدم هذه الأنفاق للتحايل على الحصار، والسماح باستيراد مجموعة واسعة من السلع، من الأسلحة والمعدات الإلكترونية إلى مواد البناء والوقود.
وبذلت السلطات المصرية جهودا مكثفة لتدمير طرق التهريب هذه، بما في ذلك ضخ مياه البحر لإغراق الشبكة وانهار العديد من الأنفاق، ومع ذلك يعتقد أن بعض أنفاق التهريب لا تزال قيد التشغيل، كما تشير الصحيفة.
وقد تم توثيق هذه الأنفاق في منطقة رفح، حيث تستخدم لإدخال جميع أنواع البضائع والمنتجات إلى غزة من مصر.
هل ينتهي الخطر باكتشافها؟
ورغم أن الجيش الإسرائيلي يتفوق بكثير على جيش حماس من حيث الحجم والمعدات، إلا أن قتال العدو بشبكة الأنفاق الخاصة به يعد مهمة عالية المخاطر.
ويصفها جون دبليو سبنسر، الذي يدرس حرب المدن في معهد الحرب الحديثة التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية، بأنها أشبه “بالقتال تحت البحر أكثر من كونه على السطح أو داخل المبنى”.
وقال مؤخرا في برنامج Modern Warfare Project: “لا شيء تستخدمه على السطح يعمل. يجب أن تكون لديك معدات متخصصة للتنفس والرؤية والتنقل والتواصل واستخدام الوسائل القتالية، وخاصة إطلاق النار”.
ويقول الخبراء إن أحد المخاطر الرئيسية للدخول إلى الأنفاق هو أن حماس قامت بتفخيخ المداخل بالمتفجرات.
وقال أهرون بريجمان، وهو زميل تدريس بارز في جامعة كينغز كوليدج في لندن، المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي: “في اللحظة التي يدركون فيها أن الإسرائيليين دخلوا الأنفاق، سيضغطون على الزر وقد ينهار الأمر برمته على الإسرائيليين”.
وربما لن تتمكن القوات الإسرائيلية من تدمير شبكة الأنفاق بأكملها، إذ يرى بريجمان أنها “كبيرة جدا وليس هناك أي فائدة في تفكيكها كلها”.
وبدلا من ذلك، سوف يركزون على إغلاق مداخل الأنفاق، وعلى الأرجح عن طريق شن غارات جوية، أو قيام المهندسين بتدميرها بالمتفجرات.
ومن غير المرجح أيضا أن يخوض الجيش الإسرائيلي معركته تحت الأرض، إلا إذا اعتقد أنه ليس لديه خيار آخر.
ويضيف بريجمان أن “دخول الأنفاق من شأنه أن يجرد القوات الإسرائيلية من المزايا التي تتمتع بها”، ويتابع: “في اللحظة التي تنزل فيها إلى النفق، تجد نفسك واحدا ضد واحد”.