الاشتباكات اليدوية.. ظاهرة يمنيّة لا تفارق رمضان

الاشتباكات اليدوية.. ظاهرة يمنيّة لا تفارق رمضان

الاشتباكات اليدوية.. ظاهرة يمنيّة لا تفارق رمضان

الأول /متابعات

مع اقتراب ساعات الإفطار، تتحوّل الاشتباكات اليدوية في اليمن إلى "تقليد" رمضاني، يعمّ أرجاء البلد "الأول عربيًا في انتشار الأسلحة النارية بين مواطنيه"، وفق منظمة "Small Arms Survey"، في ظاهرة قديمة تتعدّد أسبابها.

واضطرّ بائع الخضار والفواكه، في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، فؤاد إسماعيل، إلى إدخال سلعه المعروضة على طاولة مستطيلة أمام محلّه؛ بسبب تبعثر جزء منها على الأرض، الأربعاء الماضي، ودهس بعضها، نتيجة تدافع الناس أثناء محاولتهم فضّ عراك يدوي عنيف، اندلع بين شخصين في محلّ مجاور يبيع قِطع الثلج، وهو الاشتباك الثالث الذي يشهده منذ بداية رمضان، وفق ما ذكره لـ"إرم نيوز".


ويفضّل معظم اليمنيين النزول إلى الأسواق في رمضان قُبيل المغرب؛ بهدف التزود بالاحتياجات والطلبات المنزلية اليومية، أو لشراء نبتة "القات"، ما يخلق حالة من التزاحم الكبير في مختلف أسواق مناطق البلد، تندلع على إثرها خلافات وشجارات قد تصل في بعض الأحيان إلى استخدام الخناجر والأسلحة النارية، التي لا تفارق أجساد اليمنيين.


أسباب متعددة

يرى استشاري الطب النفسي، الدكتور منصور الشرجي، أن احتشاد معظم الناس في وقت واحد في الأسواق "يولّد نوعًا من الغضب، يزداد خلاله معدّل الشجار بهذا التوقيت، نتيجة التعب خلال اليوم، واضطراب النوم عند كثير من الناس، والانقطاع عن التدخين، وتعاطي القات الذي يعدّ من الأسباب المؤدية إلى الأرق والسهر، إلى جانب عدم القدرة على التعبير عن الغضب والانفعال بطريقة مناسبة".

ويضيف الشرجي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن عدم وجود توازن بين المدخلات والمخرجات الشخصية، سواء في الجانب المالي أو النفسي أو الاجتماعي، إضافة إلى عدم التعوّد على الصبر والتحمّل، "يجعل بعض الناس يعبّرون عن غضبهم بطريقة غير مناسبة، إذ ينتقل الأمر من الأداء اللفظي إلى العراك والشجار الجسدي".

مشيرًا إلى أسباب رئيسية أخرى مرتبطة بوجود بعض المشاكل النفسية، كالقلق، الذي سرعان ما يتحوّل عراكه اللفظي إلى عراك جسدي، والاكتئاب الذي يورّث عدم الصبر، فضلاً عن وجود ظاهر منتشرة لدى الشباب "تسمى فرط الحركة وقلة الانتباه".

وذكر الصحفي عبد الرحمن أنيس، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن عدن شهدت خلال الأيام الأولى من رمضان عدة شجارات في مختلف مناطقها، وهي ظاهرة قديمة قال إنه اعتاد على رؤيتها في رمضان منذ صغره، "حتى إن بعض السكان يعتبرونها من عادات وتقاليد الشهر الفضيل".

واستبعد أنيس أن تكون هذه التصرفات مرتبطة بتداعيات الحرب وضغوطها، لأنها قديمة جدًا، "وقد تكون أسبابها ناجمة عن الجوع، وفقدان المدمنين على التدخين والمصابين بمرض السكر السيطرة على انفعالاتهم، ومضاعفة التوتر لديهم، نتيجة امتناعهم ساعات طويلة عن الأكل، لذلك قد يتعاركون على أبسط الأسباب".

في المقابل، يؤكد أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة حضرموت، الدكتور محمد بن جمعان، أن أسباب هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر بشكل كبير أخيرًا "غير مرتبطة بالصيام".

وقال، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الضغوطات التي تزيد من حدّتها الاضطرابات الاجتماعية، مثل الاختلالات في القيمّ والأخلاق والتربية، تساهم بشكل كبير في انتشار ظاهرة فقدان السيطرة على الأعصاب والانفعالات.

ويرى جمعان أن تداعيات الحرب وضغوطها الاقتصادية، وانتشار الفقر والجوع وارتفاع الأسعار، تلعب دورًا كبيرًا في خلق الضغوطات على الفرد، "وبالتالي يُترجم ذلك في عدم ضبط الانفعالات حتى وإن كانت أسبابها بسيطة جدًا، وذلك غير مقتصر على الانفعالات في الشوارع، بل حتى داخل البيت، وعلى مستوى الأسرة الواحدة".

وتطرّق إلى نظرية نفسية لتفسير السلوك الانفعالي، قال إنها تقوم على فهم المراحل التي تمرّ بها عملية الغضب، وهي: الانتباه، والإدراك، والانفعال والسلوك، "ومعرفة هذا النموذج تساعد الإنسان على الأقل في التعامل مع كل مرحلة، وهو ما يمكنه من السيطرة على انفعالاته وغضبه".

مشيرًا إلى أن الدين الإسلامي يحثّ على السيطرة على الغضب والانفعالات، "وهناك استراتيجيات نبوية في التعامل مع ذلك، فمثلًا إذا كان الإنسان واقفًا حين غضبه فعليه أن يجلس، وإن كان في مكان معين، ينبغي أن يغيّر مكانه، وذلك كي تهدأ مثيرات ومسببات هذا الغضب".