لأول مرة.. وكالة (ناسا) ترسم خريطة للمياه الجوفية بالصحاري العربية من السماء

23 عالماً وباحثاً عملوا لأكثر من 3 سنوات ليصلوا إلى نتيجة قد تنقذ الأرض من مصير مروع، عبر تكنولوجيا للمياه الجوفية في أعماق الصحراء.

لأول مرة.. وكالة (ناسا) ترسم خريطة للمياه الجوفية بالصحاري العربية من السماء

(الأول) وكالات:

في محاولة لمكافحة الجفاف، والتصدي لظاهرة التصحر في العالم بشكل عام، وفي شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية بشكل خاص، نجح فريق من علماء وباحثي وكالة "ناسا" الفضائية الأمريكية، في تطوير منظومة جوية تستطيع التصوير على عمق 30 متراً تحت سطح الأرض، وذلك لاكتشاف المياه الجوفية، ورسم خرائط ذات دقة غير مسبوقة في الصحاري، وسيقوم الفريق بعرض النتائج التي توصل إليها يوم 21 أبريل/نيسان الجاري في ندوة بجامعة هارفرد.

منظومة التصوير الجوي التي قام فريق وكالة ناسا، بقيادة العالم المصري الدكتور عصام حجي، تعتمد على استخدام "رادار السبر"، وهو نوع من الرادار يستخدم لأغراض مختلفة، مثل استكشاف الظروف تحت سطح الأرض، وقد استخدم الفريق رادار السبر التداخلي المحمول جوًا ذو النطاق العريض للغاية (UWB) والتردد العالي جدًا (VHF)، وذلك لاستكشاف طبقات المياه الجوفية في باطن الصحراء.

تحت عنوان "رادار السبر المحمول جواً لاستكشاف طبقات المياه الجوفية تحت سطح الصحراء: الصحراء والبحر"، نشرت مجلة علوم الأرض والاستشعار عن بعد، في عددها الصادر عن شهر مارس/آذار 2024، النتائج التي توصل إليها الفريق العلمي نتيجة لتطوير عمليات التصوير تحت الأرض من الجو، والتي جاءت نتيجة تعاون علمي بين وكالة ناسا الفضائية ومؤسسة قطر وجامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا "كالتيك" الأمريكية، بالإضافة إلى عضوين في أكاديمية العلوم الأمريكية.

تكنولوجيا خاصة لتصوير المياه الجوفية

"لم يكن الأمر بالسهولة التي تتوقعونها، فقد استغرق الفريق العلمي المكون من 23 عالمًا وباحثًا، أكثر من ثلاث سنوات ليصلوا إلى تلك النتيجة الرائعة، والتي قد تنقذ الأرض من مصير مروع".. بتلك العبارات الحاسمة بدأ العالم المصري الدكتور عصام حجي، الباحث في مختبر أنظمة الميكروويف وأجهزة الاستشعار والتصوير (MiXIL) في كلية فيتربي للهندسة في جامعة جنوب كاليفورنيا وعضو في قسم علوم وهندسة الرادار (3340) في الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا الفضائية، حديثه الخاص مع "العين الإخبارية"، مؤكدًا أن الفريق العلمي قام بتطوير تكنولوجيا خاصة لتصوير المياه الجوفية في أعماق تصل إلى حوالي 30 متراً تحت سطح الأرض، وذلك باستخدام الردار المنخفض التردد، وأن تلك التكنولوجيا يتم استخدامها عن طريق التصوير الجوي فقط.

وأوضح حجي، أن العالم يستخدم نفس التقنية في بعض الأماكن، ولكن باستخدام الرادار الجيولوجي الذي يتم جره وسحبه على الأرض، ما يعني عدم قدرته على تغطية مساحات كبيرة، فأقصى مساحة يمكن أن يغطيها الرادار الجيولوجي لا تتعدى مائة متر أو حتى كيلومتر، ولكنه لن يستطيع تغطية مساحات شاسعة من الصحاري الممتدة لملايين الكيلومترات.

وأوضح أنه في الوقت ذاته التكنولوجيا التي قام الفريق بتطويرها للتصوير الجوي يمكن لها تصوير خزانات المياه الجوفية في أعماق تصل إلى 30 متراً تحت سطح الأرض بدقة عالية جدا، كما أن تلك التقنية يمكن لها أن تغطي مساحات كبيرة جدا قد تصل إلى آلاف الكيلومترات.

 "ما أكثر الصحاري العربية، وما أكثر مناطقة غير المعروفة".. في رده على مدى الاستفادة التي سيجنيها العالم من تلك التقنية، أكد الباحث في مختبر أنظمة الميكروويف وأجهزة الاستشعار والتصوير (MiXIL) في كلية فيتربي للهندسة في جامعة جنوب كاليفورنيا، على أن الخزانات الجوفية تغطي مساحات شاسعة من المناطق غير المعروفة، والتي لا يوجد لديها أي خطط لوجستية للمسج الجيولوجي لتغطيتها، وأن تقنية التصوير الراداري الجوي يمكنها أن توفر الكثير من المعلومات عن المياه الجوفية تحت سطح الأرض مشتقة من الآبار.

كما أوضح أن توزيع هذه الآبار ليس توزيعًا منتظمًا على الإطلاق، ويلاحظ وجودها في المناطق العمرانية فقط، أو القريبة منها، ما يعني أن معلوماتنا عن المياه الجوفية خارج هذا النطاق العمراني مجرد فرضيات غير مؤكدة، ما بين نتائج الآبار البعيدة عن بعضها البعض، وباستخدام الطبوغرافيا والخرائط الجيولوجية، ولكننا لم نستطع تصوير خزانات المياه الجوفية حتى اليوم، ولا نعرف بشكل كاف كيف تتحرك، وكيف تتواصل مع بعضها البعض، سواء بشكل أفقي أو عمودي. 

الخط الأول لمكافحة الجفاف
أما عن الفائدة المباشرة لتلك التقنية التي قام الفريق العلمي بتطويرها، فقد أكد العالم المصري الدكتور عصام حجي، أن تلك التقنية لها قيمة عالية جدا في التعامل مع التغيرات المناخية وتأثيرها السلبي على البشر بشكل عام، خاصة وأن تلك التكنولوجيا ستتيح تصوير المياه الجوفية بدقة عالية.

كما أنها ستسمح بفهم تحركاتها وتكويناتها وتغير خواصها، مشيرًا إلى أن الأهمية الأكثر فائدة أنها ستكون الخط الأول لمكافحة الجفاف، ونقص مياه الأمطار والأنهار، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، في شمال أفريقيا وشبة الجزيرة العربية. 

الجفاف حول العالم
"قد يحل علينا منتصف القرن الحالي ويجد ما يقرب من 75% من سكان العالم أنفسهم، يعيشون تحت رحمة الجفاف"، عبارة مخيفة ألقاها أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالته بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف قبل أقل من عامين، وتحديداً في يونيو/حزيران 2022، وأكد يومها أن نصف سكان العالم يعانون بالفعل من عواقب تدهور الأراضي الزراعية نتيجة لاضطراب الأمطار، وزيادة الجفاف مع زحف التصحر الذي أصبح كارثة تهدد البشر.

الحقيقة أن كارثة الجفاف لم تكن مفاجئة على الإطلاق، فطبقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، شهد العقدان الأخيران، ونتيجة للتغيرات المناخية، تفاقم حالات الجفاف وتدهور الأراضي نتيجة للتغيرات المناخية؛ حيث ارتفعت نسبتها إلى حوالي 29% منذ عام 2000، وهو ما أدى إلى تضرر أكثر من 55 مليون شخص سنويا، في جميع مناطق العالم، خاصة وأن الدراسات البحثية أثبتت تعرض كل قارات العالم تقريبًا لتأثيرات سلبية نتيجة للتغيرات المناخية، ويظهر ذلك في تزايد الظواهر الطبيعية المختلفة، من عواصف رملية وحرائق للغابات، وأعاصير، ورداءة المحاصيل، والتشريد، والنزاعات المختلفة.

لكن ماذا عن شمال أفريقيا والجزيرة العربية؟
أثبتت الدراسات الطبوغرافية، أن التصحر يغطي أكثر من 9.7 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 68% من مساحة الوطن العربي، كما أن هناك حوالي 5 ملايين كيلومتر مربع من الأراضي الخصبة التي تحولت إلى صحارى نتيجة للتغيرات المناخية، وذلك رغم وجود طبقات من المياه الجوفية الضحلة، والتي تُعد أكبر مسطحات المياه العذبة في صحراء شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية.

ما يؤكد أهمية منظومة "رادار السبر المحمول جواً لاستكشاف طبقات المياه الجوفية تحت سطح الصحراء"، والتي ستسمح لأول مرة رسم خرائط عالية الدقة ومتماسكة زمنياً لمنسوب المياه العلوي لأنظمة طبقات المياه الجوفية الرئيسية في المناطق شديدة الجفاف، وهو ما يوفر رؤى فريدة حول ديناميكيتها واستجاباتها للضغوط المناخية والبشرية المتزايدة، والتي لا تزال غير محددة إلى حد كبير.