الرصيف العائم.. ورقة بايدن لـ"تعويم" حرب غزة
أنهى الجيش الأمريكي تركيز الرصيف العائم على شاطئ غزة، لاستخدامه كمرفأ مؤقت لتسريع تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع الواقع تحت القصف والحصار.
وتحركت، الجمعة، أولى الشاحنات نحو الرصيف الذي تولت البحرية الأمريكية تركيبه وإرساءه على شاطئ غزة، لكن هذه الخطوة تطرح تساؤلات عن جدواها وما إذا كانت تعبّر عن مسعى من واشنطن لـ"استرضاء" الطرف الفلسطيني بعد عجزها عن كبح جماح إسرائيل في تنفيذ مخططها باجتياح رفح، أو نوع من "تعويم" السياسة الأمريكية الداعمة بشكل كامل ومطلق للطرف الإسرائيلي منذ بدء الحرب.
"وعد بايدن"
والرصيف العائم هو مشروع كان "وعد" به الرئيس الأمريكي جو بايدن، وباشر جيش البحرية الأمريكي إنشاءه وتجميعه قبل أسابيع، بميناء أسدود الإسرائيلي قبل نقله إلى ساحل غزة وتركيزه لبدء ضخ المساعدات الإنسانية، خصوصا مع إغلاق معبر رفح بعد السيطرة الإسرائيلية عليه بالكامل.
ويصف مراقبون المشروع بأنه "مكلف وبطيء" وقدّرت كلفته بـ 320 مليون دولار، وشارك فيه 1000 من عناصر القوات الأمريكية.
ويقف المشروع اليوم أمام عوائق حقيقية في غياب ضمانة واضحة من الجانب الإسرائيلي بتأمين تدفق المساعدات ووصولها إلى عمق القطاع.
وتؤكد الأمم المتحدة أن التوصيل البحري ليس بديلا عن إيصال المساعدات برًّا، الذي يبقى السبيل الأمثل ويجب أن يظل تركيز عمليات الإغاثة في قطاع غزة منصبا عليه، وفق قولها.
وتقول الولايات المتحدة، إنها تأمل من خلال هذه الخطوة في مكافحة الأزمة الإنسانية التي تُعرّض مئات الآلاف لخطر المجاعة من خلال فتح طريق لتوصيل المساعدات بحرا.
لكن الخطوة الأمريكية تبدو متأخرة، وربما تحمل نوعا من التكلّف، إذ إنّه كان بإمكان واشنطن التدخل بشكل استباقي قبل وصول الوضع الإنساني في القطاع إلى هذه الدرجة الكارثية.
وساهمت السياسة الأمريكية، المدفوعة بضغوط داخلية من جهات نافذة في الكونغرس، في إطالة أمد الحرب وتأزيم الوضع ودفع مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى النزوح والتشرد ومواجهة المجاعة والأوبئة؛ بسبب الدعم اللامشروط من الإدارة الأمريكية لإسرائيل بالسلاح، وبرفع "الفيتو" داخل مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار وإنهاء معاناة أهالي غزة.
ويبدو تركيز هذا الرصيف المؤقت اليوم لإغاثة أهالي غزة محاولة من إدارة بايدن لخلق نوع من التوازن واستمالة الناخبين من أصول عربية أو المتعاطفين مع قضية فلسطين، خلال الانتخابات الرئاسية المرتقبة الخريف المقبل.
مسار معقّد
ورغم أنّ الرصيف الأمريكي يمكن أن يحلّ بعضا من المشكل من الناحية النظرية، فإنّ مسار إيصال المساعدات إلى مستحقيها في قطاع غزة يبدو معقّدا جدا، ووفق تقديرات أمريكية سيتعامل الرصيف مع 90 شاحنة مساعدات يوميا، وقد يصل العدد في وقت لاحق إلى 150 شاحنة، بينما تؤكد تقديرات الأمم المتحدة أن القطاع يحتاج إلى دخول 500 شاحنة يوميا.
وإضافة إلى ضعف أداء الرصيف المرتقب من الناحية العملية، فإنّ وصول تلك الشاحنات إلى أكثر من مليونين من السكان المحاصرين الذين أرهقهم النزوح المتكرر، يبدو غير مضمون لعدة اعتبارات، منها أنّ الجيش الإسرائيلي يضع مخططاته العسكرية وتنفيذها كأولوية على حساب الجانب الإنساني، ومنها إصرار تل أبيب على تقسيم القطاع إلى شطرين عبر محور "نتساريم" وعلى عرقلة عودة النازحين إلى الشمال، ومنها حالة الدمار الشديد التي طالت البنى التحتية في قطاع غزة، وهو ما يعسّر عملية تنقل شاحنات المساعدة ووصولها إلى النازحين، وخاصة إلى سكان شمال القطاع الذين يواجهون بشكل جليّ شبح المجاعة الحاد.
وإضافة إلى كلّ ذلك فإنّ نقص الوقود الحاد داخل قطاع غزة دفع موظفي الإغاثة إلى الحد من التنقل وهو ما يثير مخاطر حقيقية من عدم القدرة على تأمين وصول المساعدات، فضلا عن عدم توفّر الأمان لموظفي الأمم المتحدة، حيث فقدت وكالة "الأونروا" لوحدها 191 من موظفيها منذ بدء الحرب، في سابقة لم يشهدها تاريخ الحروب ولم تسجلها منظمات الأمم المتحدة في أشد بقاع العالم خطورة.
وتلتقي هذه العوامل مجتمعة لتُظهر محدودية الخطوة الأمريكية التي ربما جاءت في الوقت بدل الضائع، ولا يمكن أن تمثّل حلّا يوقف اجتياح رفح أو يحدّ من تداعياته الإنسانية، ولا مسكّنًا لآلام غزة التي ذُبح الآلاف من أبنائها بسلاح بايدن وبضوء أخضر منه.