ندوة في القاهرة توصي بإعادة بناء وتطوير البنية التحتية الصحية التي تضررت بالحرب في اليمن
القاهرة/ خاص
أقام المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، يوم الأربعاء 05 يونيو 2024، ندوة تحت عنوان "الوضع الصحي في اليمن في ظل الأزمات والحروب"، قدمت خلالها خمس أوراق عمل.
تحدث في الورقة الأولى د. علي حسن الخولاني، رئيس المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، حول "الحالة الصحية في اليمن خلال الفترة 2015-2024، نظرة عامة".
ويرى الدكتور الخولاني، أن الوضع في اليمن أصبح سيء جداً بالنسبة لمن لديهم حالات مرضية صعبة أو حتى عادية وذلك لعدة أسباب منها عدم الاستقرار السياسي وغياب الدولة التي تهتم وتمول الخدمات الطبية وتسهر على توفير الكادر الطبي المؤهل وتعمل على بناء المستشفيات والمستوصفات والمخابر الطبية في جميع محافظات الجمهورية اليمنية.
كما يرى الدكتور الخولاني أنه مُنذ العام 2015 وبالتحديد منذ 26 مارس تاريخ بداية عاصفة الحزم التي آتت تحت عنوان استرجاع الشرعية اليمنية، تم استهداف البنية التحتية الصحية من مستشفيات ومستوصفات ودور الرعاية الصحية، وخرج من اليمن عدد كبير من الدكاترة المختصين في مختلف الأمراض، وهم الذين تم تكوينهم مُنذ قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962 والرابع عشر من أكتوبر 1963 هؤلاء الدكاترة الذين سهرت اليمن على تعليمهم من قوت ابنائها.
وأشار إلى أن الكثير من المرضى في الخارج هم من الميسور حالتهم أو من الذين لديهم علاقات مع أطراف الصراع في اليمن، بينما هناك الكثير من أبناء اليمن يموتون في أماكنهم بسبب عدم قدرتهم على توفير مستلزمات العلاج أو بسبب عدم توفر المستشفيات والمرافق الصحية جراء غياب الدولة وتواجد المليشيات عوضاً عنها على الأرض اليمنية، بالإضافة إلى أن انقطاع الرواتب أدى إلى أن المريض لا يستطيع دفع تكاليف العلاج إن وجد، كذلك قطع الطرقات أدى إلى أن الكثير من المرضى يموتون في الطريق.
وأضاف الدكتور الخولاني أن كثيراً من المنظمات الدولية حذرت من هذا الوضع ومن تفاقمه خاصة منظمة اليونيسف، وأكد أنه لا بد من احلال السلام والوئام في اليمن لتلافي تفاقم هذا الوضع، ومجيء الدولة لتمارس دورها في رعاية جميع فئات المجتمع اليمني، ومن هذه الفئات فئة المرضى والمحتاجين للعلاج وللقاحات الضرورية.
وتحدث في الورقة الثانية البروفيسور طاهر يحيى عيضة، أستاذ جراحة الكلى والمسالك البولية والتناسلية والعقم - كلية الطب جامعة ذمار، حول "الوضع الصحي لمرضى الكلى والمسالك البولية والتناسلية والعقم وتأثُرها السلبي أثناء الحرب في اليمن".
ويرى البروفيسور عيضة أن مرضى الكلى والمسالك البولية من أكثر الأمراض انتشاراً في العالم وبالذات في اليمن وذلك لأسباب قلة المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة في هذا المجال، وكذا قلة الكوادر المتخصصة، فمرضى الكلى والفشل الكلوي كم مراكز في اليمن من أجلهم، هي محدودة جداً وكم تغسل في اليوم، أيضاً زراعة الكلى لا توجد، هذا في أيام السلم فما بالك بأيام الحرب، إضافة إلى هجرة الكوادر عالية التأهيل بسبب الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي.
ويضيف أن حياة المريض اليمني عذاب بسبب قلة موارد المستشفيات أما الدولة فلها موارد أخرى، المسؤولين أدرى بها ولا نرى تلك الموارد في إمكانيات المستشفيات، فعندما يذهب المريض إلى المستشفى ولا يحصل على إبرة اسعافية أو مغذية أو علاج اسعافي ويقولون له اشتريه من الخارج لا يتم ارجاع اللوم على الدولة بل على الطبيب وهذا غير منصف.
كما أكد أن المرضى اليمنيين من قبل الاشكاليات التي تعاني منها اليمن اليوم يراجعوا للسفر إلى الخارج للعلاج في مصر والأردن والعراق وغيرها رغم وجود بعض المستشفيات والكوادر، لكن الكفاءات لم تكن كافية ولا المراكز كافية ومؤهلة لكثير من التخصصات وهذا يعتبر قصور على الدولة.
وأبدى البروفيسور عيضة استغرابه من المستشفيات الحكومية، التي أصبح اليوم لها إيرادات، فالمريض اليمني يدخل مستشفى الثورة في صنعاء ويدفع أموال ليعمل عملية أو يعمل فحوصات، إذاً أين الخدمات الطبية، وكم معنا مستشفيات حكومية في العاصمة صنعا أو في تعز أو في عدن أو في الحديدة، أين الخدمات الطبية أين إيرادات الدولة!!
أما الورقة الثالثة فقد تحدث فيها البروفيسور سمير عبدالغني طارش، استاذ علم الدم ونقل الدم- كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة صنعاء، وكان ذلك حول "الضحايا المنسيون: مرضى السرطان في المشهد الذي مزقته الحرب في اليمن".
حيث يرى البوفيسور طارش أن الجانب الصحي تضرر فيه الخدمات الطبية والرعاية الصحية بشكيل كبير جدا وظهر ذلك جليا في تدني الخدمات الصحية في المستشفيات ومراكز الأورام في كل المحافظات وبالذات في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية وتمثل ذلك بالنقص الحاد في الكادر المؤهل والأدوية وكذا الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية، مما جعل الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية صعبًا للغاية، فنقص الموارد الطبية والأدوية يزيد من تدهور جودة الرعاية الصحية التي يحتاجها مرضى السرطان، ويعرقل قدرتهم على الحصول على العلاج اللازم.
كما تطرق البروفيسور طارش إلى الغضوط النفسية والاجتماعية الهائلة التي يواجهها مرضى السرطان نتيجة لعدم الاستقرار والحرب، الأمر الذي يجعلهم يعيشون في ظروف قاسية وغير مستقرة، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم النفسية ويؤثر سلبًا على عملية التعافي.
أيضاً أكد البوفيسور طارش أن قطع مرتبات الموظفين من بين التحديات الرئيسية التي تواجه الأسر في اليمن، فالعديد من الأسر أصبحت بلا دخل ثابت، مما زاد من الفقر وأدى إلى تفاقم معاناة مرضى السرطان.
أيضاً تحدث البروفيسور طارش عن تهريب الأدوية ونقص المصادر الآمنة للدواء وقدم مثال على ذلك الجريمة التي ارتكبت بحق مرضى سرطان الدم في مستشفى الكويت في صنعاء أين قتل 18 طفلاً مصابًا بسرطان الدم في مستشفى الكويت، إثر تزويدهم بدواء منتهي الصلاحية في أكتوبر 2022.
كما تطرق إلى نقص الأدوية غالية الثمن وتأثيرها على علاج الأورام، وإلى الأضرار الناجمة عن تعاطي القات والشمة والسجائر، وجميعها مصادر رئيسية للعديد من أنواع السرطان.
وأشار البوفيسور طارش إلى أنه من اهم معاناة المواطنين وبالذات في العاصمة عدن هو عدم النجاح في تشغيل محطات الكهرباء لضمان توفير بيئة صحية ومستقرة للمرضى.
أخيراً أكد البروفيسور طارش أنه من أجل تلافي تفاقم الأوضاع الصحية في اليمن يجب أن تكون الأولوية لاستعادة الدولة من يد المليشيات الحوثية، التي تدمر اليمن وتؤثر سلبًا على كافة جوانب الحياة. كما يجب تحسين الحياة المعيشية في المحافظات التي تديرها الحكومة الشرعية.
الورقة الرابعة قدمها البروفيسور خالد عايض القديمي، رئيس ومؤسس قسم القلب في مستشفى فِشْتِل جِبِرْجِه في ولاية بافاريا بألمانيا الاتحادية، وتحدث فيها عن "الوقاية من الأمراض أثناء الحروب وعدم الاستقرار".
من جانبه يرى البوفيسور القديمي، أن الحرب تؤثر على كل جوانب الحياة، تؤثر على الأخلاق على المبادئ، ولكن أول المتأثرين وضحايا الحروب هو الجلنب الصحي كرمز للإنسانية، فالحرب تنتج دمار ثنائي للمنشئات الصحية ومرافق البنية التحتية العامة في البلد كقطع الطرقات وتدميرها وتدمير مولدات الكهرباء التي تعتبر مهمة جداً للجانب الصحي، الحرب دمرت الكثير من المنشئات الصحية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وعطلت أخرى عن العمل من خلال عدم توفر الكادر الطبي وانعدام العلاجات وكذا الكهرباء خاصة في المناطق القريبة من المواجهات.
ويؤكد البروفيسور القديمي أن الحرب افرزت حصار على الشعب اليمني بالدرجة الأولى ولم يكن حصار على سلطة أو غيرها وما حصل هو فشل وصول الأدوية إلى اليمن أو إذا وصلت فمن المستحيل أن تعتمد على دواء أنه فعال مائة في المائة أو أنه من المصنع الرئيسي، فالدواء الأصلي غالي الثمن، وحتى إن وجد خاصة العلاجات التي لابد لها من نقل خاص، نقل مبرد مثلاً مثل الانسلينات أو الهرمونات، مواد المختبر وغيرها، هذه إذا وصلت اليمن لا يوجد ثقة انها لازالت تؤدي دورها المنتظر منها، لأن النقل قد يكون تم عن طريق التهريب عبر مناطق صحراوية وربما تم دفنها تحت الرمال ومن هنا الدواء قد يكون غير مؤثر أو يؤدي إلى مفعول عكسي أي يصبح سم بدلاً من أن يكون مفيد.
كما أكد البروفيسور القديمي أن المأساة الصحية للمرضى في الشمال والجنوب تفاقمت خاصة في ظل انقطاع المرتبات فلم يعد عند المرضى القدرة الشرائية، ناهيك عن جودة الدواء وكذا قرب المريض أو بعده من مراكز الخدمات الطبية والوصول إلى الكادر الطبي المتخصص.
أيضاً تطرق البروفيسور القديمي إلى هجرة الكادر الطبي من اليمن لأسباب الحرب وغيرها كطلب التخصص، لكن الحرب ضاعفت من خروج الكادر الطبي وحسبه هذا يعتبر أكبر نزيف مجتمعي يحدث في تاريخ اليمن، وقال ليس سر أن 40 في المائة من الخدمات الصحية في دول خليجية معينة أصبحت تغطى بالكامل بكوادر يمنية فما بالنا بالذي في أوروبا وأمريكا، فمثلاً في ألمانيا الآلاف من الأطباء اليمنيين المؤهلين والقادرين كلهم عاملين والغالبية منهم يريد الرجوع إلى اليمن فوراً، لكن يرجع الطبيب لليمن ليكون أحد المعانين لن يستطيع أن يفيد المجتمع بشيء في النهاية.
وفي الأخير اقترح البروفيسور القديمي أن وزارة المالية تكون موحدة وشغالة، وكذا وزارة الصحة وبعدهما وزارة التربية، إلى أن يتم الاتفاق على تسوية سياسية في اليمن بين القوى المتصارعة، كما اثنى على أصحاب الراية البيضاء لفتح الطرقات هذه التي اتت بموجب مبادرة من القاعدة الشعبية اليمنية.
وفي الورقة الخامسة تحدث د. محمد علي المقري، المدير التنفيذي لشركة هملايا الهند للخدمات الطبية- مدرب معتمد في جودة الرعاية الصحية الدولية، حول "الحالة الصحية في اليمن: التحديات وآثار الأزمات والحروب".
وقد رأى الدكتورالمقري أن القطاع الصحي في اليمن يواجه تحديات هائلة جراء الأزمات والحروب، فقد تسببت الصراعات المسلحة والنزاعات السياسية في انهيار البنية التحتية الصحية وشلل الخدمات الطبية الأساسية، فالعديد من المرافق الطبية كالمستشفيات والعيادات قد تضررت أو دمرت بالكامل نتيجة القصف والاشتباكات المسلحة، إضافة إلى نقص الكوادر الطبية المؤهلة والمتدربة بسبب النزوح والهجرة وغياب برامج التدريب والتأهيل قد أثر بشكل كبير على جودة الخدمات الصحية المتاحة. ويضيف الدكتور المقري أن انقطاع الكهرباء وشبكات المياه قد أضعف قدرة المرافق الصحية على العمل بكفاءة وتقديم الخدمات الأساسية، إلى جانب نقص الأدوية والمعدات الطبية فالمرضى والجرحى يعانون من نقص شديد في الأدوية الأساسية كالمضادات الحيوية وأدوية علاج الأمراض المزمنة والحالات الحرجة، كما تعاني المستشفيات والعيادات من نقص المستلزمات الطبية كالأكسجين مثلاً.
ويضيف الدكتور المقري أن تفشي الأمراض المعدية والوبائية جاء نتيجة نقص التلقيح والتطعيمات الأساسية للأطفال الأمر الذي زاد من معاناة المجتمع اليمني، وزاد من ارتفاع معدل الوفيات والإصابات وتدهو الصحة النفسية للسكان المنهكين بسبب الحرب. ويرى الدكتور المقري أن التصدي لهذه الكارثة الصحية لا بد لها من توفير الدعم العاجل للمستشفيات والمراكز الطبية، وإعادة إعمار البنى التحتية الصحية المدمرة، بالإضافة إلى الحاجة إلى حل سياسي شامل وتحقيق المصالحة الوطنية.
توصيات الندوة تمحورت حول ضرورة إعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام والوئام في اليمن، عبر عملية سياسية لا تقصي أحداً، مع إعادة بناء وتطوير البنية التحتية الصحية التي تضررت من الحرب.