ام من المقاطعة.. شركات عالمية تتكبد خسائر فادحة بسبب جرائم "إسرائيل"

حققت حملات المقاطعة التي انطلقت رداً على دعم بعض الشركات الكبرى للجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة تحولاً لافتاً في المشهد الاقتصادي العالمي، فبينما كانت بعض الشركات العالمية تعتلي عرش أسواق المنطقة لسنوات، وجدت نفسها فجأة في مواجهة عواقب غير متوقعة.

ام من المقاطعة.. شركات عالمية تتكبد خسائر فادحة بسبب جرائم "إسرائيل"

تقرير (الأول) طه العاني :

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، أعربت بعض الشركات الكبرى علناً دعمها للجيش الإسرائيلي في عملياته العسكرية المستمرة ضد الفلسطينيين.

وقد أثار هذا الدعم غضباً عالمياً واسعاً، أدى إلى إطلاق حملات مقاطعة شاملة تسببت في تكبيد هذه الشركات خسائر مالية كبيرة وغير مسبوقة، ومن أبرز تلك الشركات ماكدونالدز، وستاربكس، وكوكاكولا، وكارفور.

خسائر فادحة
تكبّد عديد من الشركات العالمية خسائر كبيرة على مدار العام الماضي، نتيجة لحملات المقاطعة التي قادتها شعوب العالم العربي والإسلامي احتجاجاً على مواقف بعض الشركات تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

هذه المقاطعة لم تكن مجرد رد فعل سياسي، بل أصبحت ظاهرة اجتماعية واقتصادية أوسع، حيث أظهرت قدرتها على تغيير سلوك المستهلكين والتأثير على مكانة الشركات العالمية، وخصوصاً في الأسواق العربية.

كانت هناك تأثيرات كبيرة على شركات مثل "ستاربكس" و"ماكدونالدز" و"بيبسي"، التي واجهت انتقادات بسبب ارتباطات سياسية أو دعم ضمني للحكومة الإسرائيلية.

وأفاد تقرير نشره موقع "المونيتور" الأمريكي، في مايو الماضي، بأن أرباح شركة "أمريكانا للمطاعم"، على سبيل المثال، والتي تمتلك حقوق الامتياز في الشرق الأوسط لسلاسل الوجبات السريعة مثل "كنتاكي" و"بيتزا هت"، انخفضت بمقدار النصف تقريباً في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

وذكر التقرير أن صافي أرباح الشركة خلال النصف الأول من هذا العام بلغ 80 مليون دولار، ما يمثل تراجعاً بنسبة 44.8% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.

وعزا التقرير هذا الانخفاض إلى "التوترات الجيوسياسية" في الشرق الأوسط، إلى جانب تأثير شهر رمضان الذي امتد من 10 مارس إلى 9 أبريل الماضيين، وإضافة إلى ذلك تمتلك الشركة حقوق الامتياز الحصرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعلامات تجارية أخرى مثل "هارديز" و"كرسبي كريم".

أما سلسلة المقاهي الأمريكية "ستاربكس" فقد أثارت غضباً واسعاً بعد إعلان دعمها لـ"إسرائيل" عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى انخفاض قيمتها السوقية بنحو 11 مليار دولار بعد شهر ونصف من اندلاع الحرب.

كما تكبدت الشركة خسائر في الربع الثاني من العام الجاري، حيث تراجعت أرباحها وإيراداتها، ما أدى إلى انخفاض حاد في سعر السهم بنسبة 16%، إضافة إلى ذلك، تراجعت مبيعاتها بنسبة 4% في مايو 2024.

وفي مارس الماضي، أعلنت مجموعة الشايع الكويتية، التي تمتلك امتياز سلسلة المقاهي الأمريكية "ستاربكس" في الشرق الأوسط، أنها اضطرت إلى تقليص 2000 وظيفة، وهو ما يعادل نحو 4% من إجمالي قوتها العاملة، نتيجة لانخفاض المبيعات بسبب المقاطعة.

وأشارت المجموعة إلى أن صافي دخل "ستاربكس" انخفض بنسبة 15% في الربع الثاني من هذا العام، الأمر الذي دفع "ستاربكس"، في فبراير الماضي، إلى تخفيض توقعاتها لنمو المبيعات السنوية إلى نطاق يتراوح بين 4% و6%، بعد أن كانت تتوقع نمواً يتراوح بين 5% و7%.

وأعلنت سلسلة المطاعم الشهيرة "ماكدونالدز" تراجع مبيعاتها العالمية لأول مرة منذ ثلاث سنوات، حيث انخفضت بنسبة 1% خلال الربع الثاني من هذا العام.

وفي الدول العربية شهدت مبيعات "ماكدونالدز" انخفاضاً كبيراً يتراوح بين 50% و90% خلال الشهر الأول من المقاطعة، كما خسرت الشركة 7 مليارات دولار من قيمتها السوقية خلال ساعات، بعد أن أقرّ مديرها المالي بتأثير المقاطعة في الشرق الأوسط على نتائج المبيعات في الربع الأول من عام 2024.

وفيما يتعلق بشركة "كوكاكولا"، فقد تأثرت هي الأخرى بحملات المقاطعة، حيث انخفضت أرباحها بنسبة 3% في الربع الأخير من عام 2023، وتراجعت إيراداتها من ملياري دولار في الفترة نفسها من عام 2022 إلى 1.97 مليار دولار.

أما متاجر "كارفور" الفرنسية، التي تُعد من أكبر شركات بيع المواد الغذائية بالتجزئة في أوروبا، فقد وُجهت انتقادات كبيرة لها بسبب توزيعها مواد تموينية للجنود الإسرائيليين في غزة، ونتيجةً لذلك، أُغلقت عدة فروع تابعة لها، ومن ذلك 4 مراكز في الأردن، كما تباطأ نمو مبيعاتها في الربع الثالث من عام 2023، حيث سجلت نمواً بنسبة 9% ما يعادل 25 مليار دولار.

ثقافة الاستهلاك
من جانب آخر يعتقد الخبير الاقتصادي التركي جلال بكار، أن "حملات المقاطعة لم يكن لها تأثير اقتصادي كبير جداً على الشركات العالمية، بل كان تأثير كبير على مستوى السمعة".

ويضيف أن النظام الغربي  وضع استراتيجيات في عقول المجتمعات، والتي يمك وصفها بالاقتصاد النفسي، حيث أصبح الإنسان يُعيَّر بما يشرب وبما يلبس من العلامات التجارية العالمية، والثقة دائماً بالبراندات الأوروبية والامريكية على بأنها ذات الجودة العالمية في المواصفات.

ويشير بكار إلى أن دول العالم العربي كانت دائماً داعمة للقضية الفلسطينية، لكن التعبئة الاعلامية والتجييش الإعلامي جعل من القضية الفلسطينية ضمن الأخبار اليومية العادية.

وحول إمكانية تغير ثقافة الاستهلاك العالمية نتيجة للمقاطعات الاقتصادية، يبيّن أن الاستهلاك لا يمكن الاستغناء عنه اليوم، لأن الشخص يهدف من خلال الاستهلاك لإطهار بأنه أفضل من الآخر، حيث أن المشكلة أصبحت نفسية وليس فقط اقتصادية.

ويردف: الاستهلاك أصبح نموذج حياة، مما أدى إلى مشاكل نفسية وإلى اكتئابات...، لأن الجميع يريد أن يحصل على الأفضل وهذا ليس صحيحاً، والتركيز اليوم على الاستهلاك وليس الإنتاج، فالشخص أو الاقتصاد الذي يستهلك ولا ينتج يكون في وضع غير آمن.

وحول حب الظهور، يرى بكار بأنه ما زال موجوداً، كما أن بعض البراندات خلقت أفكاراً جديدة للخروج من منظومة ستاربكس وماكدونالدز، وغيرها من الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، لكن هذا لا يمكن أن يعطي مؤشراً إيجابياً.

التوجه نحو البديل
نجاح المقاطعة الاقتصادية وأثرها الكبير على الشركات المؤيدة للكيان الإسرائيلي، شكّل فرصة تاريخية لإعادة صياغة ثقافة الاستهلاك العربي.

وشهدت الأسواق العربية تحولاً ملحوظاً نحو دعم المنتجات المحلية كبديل للعلامات التجارية العالمية، حيث يعتبر هذا التوجه جزءاً من وعي متزايد لدى المستهلكين بضرورة دعم الاقتصاد الوطني والاستجابة للأزمات السياسية، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ومن المتوقع أن يشهد السوق العربي نمواً ملحوظاً في العلامات التجارية المحلية، خصوصاً في قطاعات الأغذية والمشروبات والملابس.

وهذا ما يعزز فرص الاستثمار في القطاع المحلي ويُعد دافعاً لرواد الأعمال العرب لابتكار منتجات وخدمات تتوافق مع تطلعات المستهلكين العرب​.

وهناك العديد من العوامل التي ساهمت في تعزيز هذا التحول، مثل تطور التكنولوجيا وتزايد الاعتماد على التطبيقات والمواقع الإلكترونية التي توجه المستهلكين نحو البدائل المحلية.

مع التزايد المستمر في حملات المقاطعة، ظهرت العديد من التطبيقات والمواقع الإلكترونية التي تساعد المستهلكين في العثور على المنتجات المحلية البديلة للعلامات التجارية العالمية التي تمت مقاطعتها.  

هذه المنصات تسهل عملية التحول نحو المنتجات المحلية من خلال توفير قوائم شاملة بالبدائل ومواقع توفرها، مثل تطبيق "Buycott" الذي يساعد المستهلكين على اتخاذ قرارات شراء مدروسة، من خلال مسح الرمز الشريطي لأي منتج، يمكن للمستخدم معرفة إذا ما كان مرتبطًا بشركات تم مقاطعتها أو لا، بالإضافة إلى توفير بدائل محلية.

ويعد تطبيق "بديل" واحداً من المبادرات الحديثة التي تسعى إلى تعزيز فكرة المنتجات المحلية، حيث يتيح للمستخدمين البحث عن منتجات محلية بديلة لماركات عالمية معينة، مع تسليط الضوء على الجودة والأسعار التنافسية للبدائل.