جدلية الغباء والتخلف
مسعود عمشوش
من الغباء أن يدّعي أحدنا أنه ذكي أو عالم كامل الذكاء ولا يمكن أن نوجّه له أدنى نقد، وأننا جميعا (تحت مستواه). فهذا هو الغرور بعينه. وفي كثير من الحالات يقترن السلوك الغبي بالغرور والاستعلاء والكبرياء، وفي بلادنا بالمنصب والكرسي. وللأسف يمكن أن نرصد ذلك السلوك لدى بعض أصحاب الكراسي وحملة الشهادات العليا، أو كبار السن (صغار العقول). ولا نعدم أن تصدمنا هذه الصحيفة أو تلك القناة بإجراء مقابلة مع أحد أولئك المغرورين المشهود لهم بالغباء.
وفي بلادنا المتخلفة أصبح من المعتاد أن كبار المسؤولين (الأغبياء أصلا) يحرصون دائما على اختيار نوابهم ومساعديهم من بين الأغبياء أو العلماء المزورين. وكثيرا ما سمعت أنّ السادات لم يعيّن له نائبا لأن مستشاريه لم يستطيعوا أن يعثروا على من هو أكثر غباءً منه، كما كان قد اشترط.
ولا شك في أن من أسباب انتشار – بل وتفشي- ظاهرتي التخلف والفساد في البلدان النامية عدم القدرة على وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب. بل أن العكس هو الذي يحدث في الغالب. وهناك من يقول إن السفيرة الفرنسية اكتشفت أن القانون في بلادنا يحمي الأغبياء المغفلين عندما يكونون فوق الكراسي، لا سيما السياسية، وهم في الغالب من بين أبناء أصحاب الذوات والنفوذ والأميين أو الفاشلين في المدارس.
وعلى الرغم من ترسخ الظاهرة علينا ألا نيأس وأن نتواضع ونبحث – دائما ومهما كبرنا- عن العلم حتى عند أولئك الذين نعتقد ألاّ علم لديهم. والعلم من المهد إلى اللحد. وكما يقال: بين الغباء بين الغرور شـَعرة من السهل اكتشافها ولو بعد حين، والأفضل للعلماء الأغبياء أن يتجنبوا الصحف والقنوات أو الكتابة، لأنهم في الحقيقة لا يقومون فيها إلا بفضح أنفسهم أمام الملاء. وطبعا ليس كل من حولهم وقحين ومستعدين أن يقولوا لهم الحقيقة، وأنهم في الواقع "عراة". وأتوقع أن يحدث العكس: فالكثير منهم سيجاملونهم في العلن ويسخرون من خوائهم وغبائهم من الخلف. ومن المعلوم أن كثيرا من الناس لا يفضلون أن يكون المسؤول عليهم أذكاؤهم الذي يمكن أن يحاسب المقصر منهم، بل أنهم سيختارون في الغالب أغباءهم لأنه سيكون مجبرا على ترك الأمور (سبهلل).