من أجل دولة مدنية ووطن آمن يتسع للجميع

نحن عندما نطالب بـ "دولة مدنية" لا يعني ذلك أننا ضدّ الدين أو ضدّ إقامة نظام إسلامي عادل؛ فنحن ممن دعا وتحرّك من أجل إقامته، *ولكننا ضد أن يُقزّم الدين الرباني العالمي في مذهب أو جماعة أو حزب أسّسه عقل بشري قاصر.

إن الحركات الإسلامية يكمن بداخلها وفي بنيتها خلل وقصور يحول دون إقامة دولة عادلة؛ وهو ما جعل غالبيتها تفشل على مستوى الوطن العربي بعد *"ثورة الربيع العربي"*، وسبب فشلها يعود لعدة أسباب سواء منها السّني أو الشيعي، وسواء أكانت في شكل حزب أو جماعة، منها:

- *أنها تكونت ونشأت على أساس مذهبي وبخلفية موروثة، ووفق أيديولوجية معينة،* ونحن نعرف أن المذاهب متعددة؛ نتيجة تعدد القراءات للإسلام ونصوصه، كما ذكرها *"الدكتور أحمد شرف الدين"،* فلكل مذهب قراءته الخاصة؛ مما نتج عن تعدد القراءات تعدد المذاهب، نتيجة قناعات لدى أصحاب كل مذهب؛ *ما جعل مشاريعها ليست إلا مشاريع مذاهب*، وعند ما انتقلت من مرحلة الدعوة للمذهب وبعقلية المذهب إلى مرحلة الإمساك بالسلطة، فإنها استمرت بنفس التوجه والعقلية المذهبية والمشروع، مثل ما كانت خارج السلطة، -وهي الدعوة للمذهب وحشد الناس لإقناعهم بمذهبها وتوجهها المذهبي- *وإنما عملت على استغلال السلطة وإمكانيات السلطة لخدمة توجهها المذهبي باعتباره يمثل المشروع لديها*.

ألم يكن الإخوان المسلمون (قبل 2011م) مسيطرين على أغلب المنابر ووسائل الإعلام، ويعملون لإقناع الشعب بقناعاتهم المذهبية، وتوجهاتهم السياسية؟

ليس هذا فقط، بل يتبنّون عداوة وشيطنة كل من يخالفهم، وما إن مسكوا بزمام السلطة (بعد 2011م) حتى سخروا إمكانيات الدولة لخدمة توجههم ومشروعهم المذهبي وتوجهاتهم السياسية، وقصروا التوظيف على من هم على شاكلتهم، وتم إقصاء من يخالفهم؛ وحصر الدين والوطنية عليهم دون غيرهم من بقية الشعب؛ لأن هذا يمثل جوهر مشروعهم.

*وهكذا عمل الإخوان في "مصر" و"تونس" و"ليبيا" وفي كل الوطن العربي؛ ما وجّه صدمةً للكثير حتى من أتباعهم، فضلا عن مخالفيهم؛ ما أدّى لسقوطهم، وهكذا عمل "الأنsار" بعد 2014م وبنفس الطريقة*، استغلوا السلطة وأدواتها لخدمة توجههم المذهبي، فأقاموا مناسباتهم الدينية، وعملوا على فرض توجههم وبأدوات وإمكانيات الدولة، وأحيوا شعائرهم، وسخروا السلطة بل والشعب لخدمة توجههمً، حتى في بعض المحافظات الشافعية، *وهذا هو مشروعهم قبل وبعد أن يمسكوا بالسلطة ولا يملكون غيره.*

ومع ذلك كما يعلم الله أنه ليس لدينا أية مشكلة مع أي من هذه الجماعات سواء "الإخوان" أو "الأنصار" وغيرها من الحركات السنية والشيعية، *وإنما قراءتنا للواقع وخبرتنا في مواكبة نشوء هذه الحركات وما مرّت به حتّم علينا وطنيًا وشرعيًا أن ندرس ونوضح هذه الحقيقة بعقل وبحكمة؛ حتى لا نسيء إلى الدين وإلى أوطاننا وندمر مستقبل أجيالنا. *وانظروا من حولنا كيف أخفقنا وكيف نجحت الدول القائمة على أسس الدولة المدنية العادلة، بل وعاشت كل الأحزاب والمذاهب والتوجهات في أمن وسلام في ظل الدولة المدنية..

*يتبع في الحلقة القادمة...*