قرار (الجنايات الدولية) باعتقال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو ووزير حربه غالانت.. ما تداعيات؟!

بحسب بيان المحكمة فإنها وجدت أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية: - جريمة الحرب باستخدام التجويع سلاحاً، وتوجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين. - الجرائم ضد الإنسانية وتشمل القتل، والاضطهاد، والأفعال اللاإنسانية الأخرى.

قرار (الجنايات الدولية) باعتقال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو ووزير حربه غالانت.. ما تداعيات؟!

(الأول) متابعة خاصة:

بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية (21 نوفمبر) إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، فإن سفرهما إلى واحدة من 125 دولة حول العالم سوف يعرضهما لخطر التوقيف الفوري.

وتجمع التقديرات على أن أوامر الاعتقال بحقهما ستؤثر على صورة "إسرائيل" في العالم، وستساهم في عزلها دبلوماسياً للضغط عليها لوقف الحرب في غزة المستمرة منذ أكتوبر 2023.

ومن المؤكد أن نتنياهو وغالانت سيتحاشيان السفر خلال الفترة المقبلة، لا سيما إلى  الدول الأوروبية التي كانت أول المرحبين بقرار "الجنائية الدولية"، لكن هل يلتزم المجتمع الدولي بمذكرة الاعتقال فعلاً؟

حدث تاريخي
وأدت الحرب الإسرائيلية على غزة لاستشهاد وإصابة أكثر من 144 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023، بينهم آلاف الأطفال، فضلاً عن سعي الاحتلال علنياً لتهجير 2.3 مليون فلسطيني واستيطان القطاع مجدداً.

وبدأت محاسبة "إسرائيل" في نوفمبر من العام الماضي، عندما تقدمت كل من جنوب أفريقيا وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي، وهي دول أعضاء في محكمة الجنايات الدولية، بطلب للتحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة.

وشكلت أوامر المحكمة الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت حدثاً غير مسبوق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وإقراراً دولياً بمسؤوليتهما عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في غزة منذ أكثر من عام.

وبحسب بيان المحكمة فإنها "وجدت أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية:

جريمة الحرب باستخدام التجويع سلاحاً، وتوجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين.
الجرائم ضد الإنسانية تشمل القتل، والاضطهاد، والأفعال اللاإنسانية الأخرى.
وربطت تلك الجرائم بأنشطة الحكومة الإسرائيلية والقوات المسلحة ضد المدنيين في غزة، واعتبرت المحكمة أن القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، ومن ضمنها الغذاء والماء والدواء، أدت إلى تجويع السكان المدنيين في غزة وتعريضهم للمعاناة الشديدة، وفق البيان.

 كيف سيتم الأمر؟
و"الجنائية الدولية"، التي أسست عام 2002، هي المحكمة الوحيدة المستقلة في العالم التي أسست للتحقيق في أخطر الجرائم الدولية، حيث تتضمن مذكرات الاعتقال التي تصدرها وتفاصيل الشخص المشتبه فيه، ووصف الجريمة المتهم بها، والأسس القانونية لإصدارها.

بعد ذلك تُرسل مذكرات الاعتقال إلى الدول الأطراف في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية، لتنفيذها، حيث تكون الدول الأعضاء في المحكمة (125 دولة) مُلزمة بالتعاون معها، واعتقال الأشخاص الذين صدرت هذه المذكرات بحقهم بشكل فوري عند دخولهم أراضيها.

و"إسرائيل" ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وتدعي أنه لا صلاحية للمحكمة عليها أو على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن المحكمة ضحدت هذا الادعاء، وأكدت في قرارها بحق نتنياهو وغالانت أن "قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس شرطاً ضرورياً، حيث يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها على أساس الولاية الإقليمية لدولة فلسطين".

كما يمكن للمحكمة أن تطلب من دول ليست طرفاً في نظام روما الأساسي التعاون في تنفيذ مذكرات الاعتقال، لكن استجابة هذه الدول من عدمه يعود إلى قرارها السيادي.

كما أن الولايات المتحدة، أهم حليف لـ"إسرائيل"، ليست أيضاً عضواً في نظام المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك روسيا والصين.

وفي أول رد فعل أمريكي على قرار "الجنائية الدولية"، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أدريان واتسون، رفض الولايات المتحدة بشكل جوهري قرار المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أن "المحكمة الجنائية الدولية لا ولاية قضائية لديها على هذه المسألة".

لا حرية بالتنقل
يؤكد المختص بالقانون الدولي ثائر أيوب، أن استصدار أمر توقيف وملاحقة نتنياهو وغالانت، هو أمر تطلبه المحكمة من الدول الأعضاء الذين ينضوون تحت عمل المحكمة ويجب تنفيذه، مضيفاً:

- هذه الخطوة تعني أنه لن يكون هناك حرية وسهولة للتنقل لمن صدر بحقهم أمر التوقيف، وبمجرد وصولهم ودخولهم لأراضي الدول ذات العضوية في المحكمة لا بد من اعتقالهم فوراً.
- محكمة الجنايات الدولية مختصة بالقضاء والتحاكم الحضوري، ومن ثم يتعذر محاكمتهم إلا عند توقيفهم واعتقالهم.
- إذا لم يسلموا أنفسهم أو تسلمهم حكومة الاحتلال، فلا يمكن محاكمتهم إلا بطريقة اعتقالهم حينما يصلون إلى دولة عضو في المحكمة.
- ليس لدى الدول الأعضاء في المحكمة أي خيار بعدم الالتزام بمذكرة الاعتقال الدولية، إذ إنها وقعت على اتفاقية روما ومن ثم فهي مجبرة على الامتثال لها.
- لكن مسألة تطبيق القرار تبقى مسألة حساسة، فبعض الدول الموقعة على اتفاقية روما حينما سافر إليها الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لم تقم بتسليمه، لكن أغلب الدول الأوروبية التي لها علاقات مع "إسرائيل" لم يسبق لها رفض قرارات الجنايات الدولية، وهو ما يعني أنها قد تلتزم فعلياً بها.
ضغوط دولية
من جانبه يؤكد المحلل السياسي محمد عبد الكريم، أن قرار توقيف نتنياهو سيؤدي إلى استقطاب أكبر داخل "إسرائيل"، وتحديات لحكومته لمصلحة المعارضة، التي قد تدعو لإقالته، أما على الصعيد الدولي فسيضعف موقف "إسرائيل" دبلوماسياً، ويزيد من الضغوط عليها، مع تعزيز الدعم للقضية الفلسطينية في الساحة العالمية.

وأضاف:

- هذه الخطوة قد تؤدي لإحراج كبير للاحتلال الإسرائيلي عندما يزور مسؤولوها الدول الأعضاء في المحكمة، كما قد تتردد بعض الدول في استقبال المسؤولين الإسرائيليين لتجنب الضغوط الدولية.
- قد تتوتر العلاقات بين "إسرائيل" والدول الأعضاء في "الجنايات الدولية" خاصة الأوروبية منها، كما أن "إسرائيل" قد تواجه عزلة دبلوماسية متزايدة بسبب رفضها التعاون مع المحكمة.
- هذه الخطوة أيضاً قد تدعو بعض الدول لفرض عقوبات على "إسرائيل" أو تجميد العلاقات معها خاصة إذا رفضت التعاون مع المحكمة.
- قد تبرز مطالبات بإصلاح أو مراجعة القوانين الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وهذا كله سيصب في مصلحة الشعب والقضية الفلسطينية.
حماية أمريكية
يؤكد عبد العزيز العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات، أن إصدار مذكرات توقيف ضد شخصيات إسرائيلية بارزة مثل نتنياهو وغالانت "يمثل خطوة قانونية ذات رمزية سياسية عميقة".

إلا أنه يراها في الوقت ذاته "تفتقر إلى آليات تنفيذ عملية فعالة نظراً للتحديات القانونية والسياسية، خصوصاً مع المعارضة الأمريكية التي لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية".

ويضيف في حديثه:

- منذ تأسيس المحكمة عام 2002، اتخذت الولايات المتحدة موقفاً معارضاً، حيث قامت خلال إدارة جورج بوش الابن، بإقرار قانون  "حماية أفراد الخدمة الأمريكي"، والذي يهدف إلى حماية مواطنيها ومواطني حلفائها من إجراءات هذه المحكمة والمحاكم الدولية الأخرى.
- يشير إلى أن القانون ينص على "اتخاذ جميع الوسائل الضرورية، ومن ضمنها المساعدات القانونية والدبلوماسية، لضمان حماية مواطني الولايات المتحدة أو حلفائها من قرارات المحكمة الجنائية الدولية أو أي جهة تطلب تنفيذها".
- يمنع القانون تقديم مساعدات عسكرية لأي دولة عضو في المحكمة تخالف توجهات واشنطن، باستثناءات محدودة، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على الدول الأعضاء ويعزز قدرة الولايات المتحدة على عرقلة تنفيذ القرارات.
- يمنح القانون الرئيس الأمريكي صلاحيات واسعة تشمل اتخاذ أي إجراء ضروري، دبلوماسياً واقتصادياً، بل وحتى عسكرياً، لضمان الإفراج عن أي شخصيات أمريكية أو حليفة يتم احتجازها بناءً على طلب المحكمة.