أراد ترويض التنين الصيني.. (الرفيق ترامب) كيف ساهم في القفزة الصينية الكبرى؟! 

أراد ترويض التنين الصيني.. (الرفيق ترامب) كيف ساهم في القفزة الصينية الكبرى؟! 

تقرير (الأول) زهير حمداني:

بين التورية والتندر، تعبّر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية عن الضمير الشعبي -وربما الرسمي- وبنكهة سخرية سياسية غالبة عندما تطلق على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقب "تشوان جيانغو"، أي "الرفيق ترامب باني الأمة".
يُستخدم اللقب في منصات التواصل الصينية للإشارة إلى أن سياسات ترامب المتشددة تجاه الصين سارت بعكس ما تشتهيه واشنطن، وشكلت دافعا لبكين لتعزيز قدراتها وتحقيق اكتفائها الذاتي التكنولوجي والاقتصادي والعسكري.
بات الرئيس دونالد ترامب جزءا من الفلكلور السياسي الصيني على الإنترنت منذ توليه الرئاسة في ولايته الأولى، يُصوّر مثل "بطل غير مقصود"، حسب جيمس ماك غريغور الباحث الاقتصادي، ورئيس منطقة الصين في شركة أبكو الاستشارية العالمية.
ويرى غريغور -وفق ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز- أن "الصين شهدت لحظة اسمها دونالد ترامب، حين أيقظهم على حقيقة مفادها أنّهم في حاجة إلى جهد أكبر لرفع مهاراتهم العلمية والإبداعية، فانفجرت عضلاتها التصنيعية المتقدّمة في الحجم والتطوّر والكمية في السنوات الثماني الماضية".
لم يكن ترامب وسياساته سوى عامل عرضي، لكن الصين -تلك الدولة الزراعية من العالم الثالث كما كانت- دشنت نهضتها المتصاعدة والمخططة قبل ترامب بعقود، منذ أواخر السبعينيات، حين بدأت في تطوير قدراتها التصنيعية والتجارية كوسيلة لتأمين الاستقرار السياسي الغائب، والتغلب على الأزمة التي أعقبت ما عرفت بسياسة "القفزة الكبرى إلى الأمام".
وقاد الزعيم ماو تسي تونغ (1893-1976) هذه السياسة بهدف التحول السريع من الاقتصاد الزراعي إلى الصناعي (1958-1960) وتطبيق الثورة الثقافية (1966-1976)، التي كانت تستهدف اجتثاث الطبقة البرجوازية في الحزب الشيوعي، لكن الأثمان الاجتماعية والاقتصادية كانت باهظة.
وفي عام 1976، أصبح دينغ شياو بينغ زعيما للحزب الشيوعي الصيني ثم رئيسا (1978-1989)، وقاد مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية بهدف جعل الصين قوة اقتصادية وتجارية دولية، مما أتاح فسحة من الانفتاح والحرية الاقتصادية، لم تلغ تحكم الدولة وسيطرة الحزب الشيوعي الحاكم. واعتمدت الخطة الصينية على جملة من الخطوات والقواعد، أهمها ضرورة اكتساب قوة تكنولوجية محلية.
كان الرئيس شي جين بينغ يتبنى هذا الطرح عبر مقولته إن "الاعتماد الشديد على التكنولوجيا الأساسية المستوردة يشبه بناء منزلنا فوق جدران شخص آخر، بغض النظر عن حجمه ومدى جماله، فلن يظل قائما في أثناء عاصفة". ولم تكن الصين في كل الأحوال قادرة على تحمل عبء أن تكون دولة تابعة.

ترويض التنين
هناك شواهد كثيرة على الطفرة الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية الصينية التي بنيت بشكل ما على مقولة شي جين بينغ، فالضجة التي أحدثها مؤخرا إطلاق تطبيق "ديب سيك" (DeepSeek) حين قلب موازين المعادلات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي يعد نموذجا عن هذا الصعود الصيني المتنامي، الذي بات يشكل تحديا للولايات المتحدة والغرب.
ويتجاوز هذا التحدي البعد التكنولوجي إلى الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي. ويرسم ما سيكون عليه الصراع العالمي بين قطبين، حين سيقود الذكاء الاصطناعي آفاق المستقبل.
ويهدد "ديب سيك" -المفتوح المصدر والمنخفض التكلفة- الاستثمارات الضخمة التي ضخّتها شركات التكنولوجيا الأميركية، مثل ميتا ومايكروسوفت وغوعل وإنفيديا وأوراكل وغيرها، في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وكذلك أسس التوريد العالمية التي احتكرتها هذه الشركات الأميركية طويلا.
وتقول تشارو تشانانا، الخبيرة الإستراتيجية في الأسواق الآسيوية في "ساكسو ماركت" لصحيفة نيويورك تايمز إن الهيمنة الأميركية في هذا مجال الذكاء الاصطناعي "ليست أمرا مفروغا منه"، وربما قد تكون انتهت كما حصل في غيرها من المجالات، وفق محللين آخرين.
تكمن أهمية الإنجاز الصيني في تجاوزه المحاولات الأميركية على مدى السنوات الماضية لكبح قدرة بكين على الوصول إلى أحدث الرقائق التي تشغل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة والتي توفرها بالأساس شركة إنفيديا، ومن ثم منع الصين أو إبطاء تقدمها في اكتساب نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة.
ورغم كل تلك التضييقات، فإن الصين وصلت إلى ذروة هذه الصناعة الحيوية للمستقبل -أيضا عبر شركة "علي بابا"، التي أطلقت بدورها نموذجها "كوين 2.5 ماكس" (Qwen 2.5 Max)، وهو ما يعتبر تهديدا حقيقيا للهيمنة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، ويعيد تشكيل المشهد التكنولوجي العالمي مع وجود فاعل للصين.

قفزات كبرى إلى الأمام
لسنوات، درجت السردية الغربية على رد القوة المتنامية للصين في مجال الصناعات المتقدّمة للممارسات التجارية غير العادلة التي تتبعها، والتفافها على قواعد التجارة العالمية، وسرقة وتهريب ونسخ للتكنولوجيا الغربية بشكل رديء.
اعتمدت الصين في البدايات على شيء من ذلك، لكن الصحفي والكاتب الأميركي توماس فريدمان يعتقد -في مقال لصحيفة نيويورك تايمز- أن تلك السردية كانت بمنزلة "خديعة كبرى" تشير -بحسبه- إلى تمادي الغرب في حالة إنكار للواقع، ويضيف أنه "بينما كنا نائمين، حققت الصين قفزة كبيرة إلى الأمام في التصنيع عالي التقنية لكل شيء".
فقد دفعت تصورات الرئيس ترامب وطريقة معالجته لما يراه "الخطر الصيني" وحروبه التجارية خلال فترة ولايته الأولى (2017-2021) الصين لمضاعفة جهودها لتحقيق الاستقلالية والتفوّق العالمي في قطاعات مهمة، مثل السيارات الكهربائية والروبوتات والمواد النادرة، وأن تصبح مستقلة عن أسواق وأدوات أميركا بشكل كبير.
وفي هذا السياق، يشير تقرير المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية (ASPI) بعنوان "السباق العالمي نحو قوة المستقبل" إلى تفوق صيني نوعي بفارق بيّن عن الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الدقيقة والحساسة.
وحسب تقرير عام 2023، باتت الصين رائدة عالميا في 37 من أصل 44 تقنية حساسة مثل الدفاع، والفضاء، والروبوتات، والطاقة، والبيئة، والتكنولوجيا الحيوية، والذكاء الصناعي، وتكنولوجيا الكم، بينما تتقدم الولايات المتحدة في 7 مجالات فقط، بينها أنظمة الإطلاق الفضائية والحوسبة الكمية.
حققت الصين الاستقلالية ثم التفوق، وغزت الأسواق العالمية تدريجيا. ويؤكد توماس فريدمان في مقال بنيويورك تايمز أن "ما يثير الخوف هنا هو أننا (أي الولايات المتحدة) لم نعد نصنع الكثير من الأشياء التي ترغب الصين في شرائها، فهي قادرة على صنع كل شيء تقريبا، على الأقل بتكلفة أقل، وفي كثير من الأحيان بشكل أفضل".
من جهته، يرى الصحفي والمحلل الاقتصادي نوح سميث في تقرير على مدونته أن "هذا المستوى من الهيمنة الصناعية من قبل دولة واحدة لم يشهده العالم إلا مرتين، من قبل المملكة المتحدة في بداية الثورة الصناعية، ومن قبل الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة".
وحسب تقرير سميث، فإن ذلك يعني بالضرورة أنه في ظل حرب إنتاج ممتدة (كما يحدث فعليا)، ليس هناك ما يضمن أن العالم بأسره موحدا يمكنه هزيمة الصين بمفردها، وهي التي اكتسحت أسواقا عالمية كثيرة خصوصا في جنوب العالم.
وحسب أرقام وكالة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، لم تكن حصة الصين تتجاوز 6% من الإنتاج الصناعي العالمي عام 2000، وباتت نحو 30% عام 2023، وبحلول عام 2030، يتوقع أن تحتكر الصين 45% من إجمالي التصنيع العالمي، وهو ما يعادل أو يتفوّق على إنتاج الولايات المتحدة وجميع حلفائها، وفق أرقام الوكالة.
أطلقت بكين عام 2015 خطة "صنع في الصين 2025"، وباتت تسيطر عمليا على 80% من سلسلة التوريد العالمية للطاقة الشمسية، كما تجاوزت صناعة بناء السفن الصينية قدرة الولايات المتحدة بأكثر من 200 ضعف، حسب تقرير لمكتب الاستخبارات البحرية الأميركية، وتمتلك الصين شبكة سكك حديد عالية السرعة، هي الأضخم في العالم، بطول 45 ألف كيلومتر.
أما في صناعة السيارات، فلم تكن الصين حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي من كبار منتجيها أو مصدريها، وفي عام 2023 باتت أكبر مصنعي ومصدري السيارات الكهربائية والسيارات بشكل عام، إذ أنتجت 8.9 ملايين سيارة كهربائية (نحو ثلثي الإنتاج العالمي) حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
فحتى عام 2019، كانت شركتا "شاومي" (Xiaomi) و"هواوي" (Huawei) متخصصتين في صناعة الهواتف الذكية، ثم أصبحتا تصنّعان أيضا السيارات الكهربائية، وباتت شركة "بي واي دي" (BYD) للبطاريات بدورها رائدة عالميا في السيارات الكهربائية، متجاوزة شركة "تسلا" الأميركية وشركات غربية أخرى، وفي المقابل تخلت شركة "آبل" الأميركية عن مشروعها لإنتاج السيارات الكهربائية.
يشير الخبراء إلى أن العالم يتحول تدريجيا إلى السيارات الكهربائية ذاتية القيادة، وهو ما قد يجعل الصين تهيمن فعليا على سوق السيارات الكهربائية وسوق السيارات ذاتية القيادة أيضا في المستقبل القريب.

تطوير أدوات الصراع
تستند الطفرة الصناعية والتكنولوجية الصينية إلى عوامل مختلفة، بينها الثروات الهائلة والقوى العاملة الضخمة والسوق الاستهلاكية الكبيرة، والتشجيع على الابتكار والبنية التحتية المتطورة، والاستثمار الموجه في التعليم والبحث العلمي، بالإضافة إلى ترسخ قيمة العمل في المجتمع، والدعم الحكومي السخي للمشاريع الصناعية والتكنولوجية.
واعتمدت الصين على سياسة إقراض هائلة، إذ تشير بيانات بنك الشعب الصيني (المركزي الصيني) إلى أن حجم الإقراض من البنوك الصينية للصناعات المحلية تطور من 83 مليار دولار عام 2019 ليصل إلى 670 مليار دولار عام 2023.
كما تضاعف أيضا نشاط المؤسسات البحثية والجامعات، وتشير بيانات المنظمة العالمية للملكية الفكرية -نشرتها في يوليو/تموز 2024- إلى أن الصين قدمت أكثر من 38 ألف اختراع بين عامي 2014 و2023، مقابل 6276 قدمتها الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها.
وتعمل في الصين أكثر من 4500 شركة في مجال الذكاء الاصطناعي مع بلوغ حجم القطاع 81 مليار دولار بنهاية 2023، بزيادة 13.9% عن عام 2022، حسب البيانات الرسمية، كما تمتلك 15% من الشركات الناشئة على مستوى العالم في هذا المجال.
من جانب آخر، تخرّج نحو 1.4 مليون في علوم الكمبيوتر والمجالات ذات الصلة في الصين لعام 2019-2020 (البكالوريوس والدراسات العليا)، وفق شبكة التعليم والبحث الصينية، مقابل نحو287 ألفا في الولايات المتحدة في العام الدراسي 2018-2019، حسب المركز الوطني لإحصاءات التعليم.
وبذلك تمتلك الصين مددا لا ينضب من الطلاب المتخصصين في الهندسة والعلوم ومؤسسات جامعية وبحثية باتت نشطة وفعالة وتحظى بدعم كبير من الدولة، وباتت تستقطب أيضا آلاف الطلاب الأجانب.
تراهن الصين على ما أطلق عليه شي جين بينغ "التنمية العالية الجودة"، بدلا من النمو السريع الذي حققته في السنوات الماضية، وهي تركز على قطاعات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والطاقة المتجددة، وصناعة أشباه الموصلات وتطوير سلاسل التوريد، والوصول السريع إلى الأسواق العالمية عبر صناعة بحرية ضخمة، وشراكات تجارية ومبادرات مثل "الحزام والطريق".

حماية المكتسبات
لم تكن مفاجآت الصين مؤخرا فقط في صناعة الذكاء الاصطناعي، بل حققت أيضا طفرة لافتة في الصناعات العسكرية، واستطاعت أن تحقق تفوقا نوعيا على الولايات المتحدة، في مقاتلات الجيل السادس، حين فاجأت العالم في 26 ديسمبر/كانون الأول 2024 بالكشف عن طائرتين من هذا الطراز.
وتعرف مقاتلات الجيل السادس بكونها طائرات متقدمة، تعتمد على خاصية التخفي الكامل وتنوع الأسلحة والقدرة على التكيف مع مختلف الظروف والتكامل التكنولوجي مع المسّيرات واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وكشفت الصين في ديسمبر/كانون الأول 2024 عن نسختين من مقاتلات الجيل السادس، وهما "جيه 36" (J-36) ثلاثية المحركات من إنتاج شركة "تشنغدو" (Chengdu)، و"جيه إكس إكس" (J-XX) من إنتاج شركة "شنيانغ" (Shenyang).
وأثار الطيران التجريبي المفاجئ للمقاتلتين جدلا في الولايات المتحدة، إذ على النقيض من التقدم الذي أحرزته الصين في مقاتلات ما يعرف بالجيل التالي للهيمنة الجوية (NGAD)، تتعثر الجهود الأميركية في تطوير أول طائرة من هذ الجيل.
وبغضِّ النظر عن قدرات الطائرتين وتاريخ دخولهما الخدمة، فإن ظهورهما في آن واحد يعد إنجازا صينيا يمثل سبقا وتحديا للولايات المتحدة، لا سيما مع احتدام التنافس والخلافات والتوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادي وحول تايوان وبحر جنوب الصين.
وكانت الصين قد كشفت في نوفمبر/تشرين الثاني عن مقاتلة "جيه-35 إيه" الشبحية من الجيل الخامس، وهي تعد أصغر حجما وأقل وزنا وأكثر مرونة وسرعة من نظيرتها "جيه-20" الشبحية الثقيلة التي تمتلك الصين 195 مقاتلة منها.
وباتت الصين الدولة الثانية، بعد الولايات المتحدة، التي تمتلك مقاتلتين شبحيتين من الجيل الخامس، في حين تمتلك روسيا مقاتلة واحدة وهي "سو-57".
ويصنف موقع "غلوبال فاير باور" الصين ثالث قوة عسكرية في العالم، ويشير في بياناته إلى امتلاكها 3304 طائرات عسكرية، بينها 1207 مقاتلات، معظمها من الجيل الرابع، مقابل 1854 للولايات المتحدة.
وفي ديسمبر/كانون الأول، حذر تقرير للكونغرس الأميركي من أن الصين تغلق بسرعة الفجوة مع الولايات المتحدة في مجال القوة الجوية المتقدمة، كما تحرز خطوات كبيرة في الطائرات المسيرة وتزيد من نسبة الطائرات المقاتلة المتطورة لدى الجيش الصيني.

القصور المقلق
تعتمد تحليلات -غربية في معظمها- على عوامل قصور في الاقتصاد الصيني وعلى وجود تناقضات داخلية، بينها شيخوخة السكان وفقدان قوة العمل تدريجيا، وطبيعة النظام الذي يتحكم في كل المجالات للإشارة إلى أن الطفرة الصينية لن تستمر بنفس الزخم.
وتتوقع الحكومة الصينية أن يمثل كبار السن نحو ثلث إجمالي عدد سكان الصين بحلول 2050، وهو ما سيكبد الاقتصاد الصيني أعباء جديدة بتراجع الإنتاجية والضغوط المتزايدة على النظام الصحي وصناديق التقاعد. وسيعوق ذلك الصين في سعيها للتفوق على الولايات المتحدة كقوة عظمى وأكبر اقتصاد في العالم.
وتشير معظم التحليلات أيضا إلى أن التباطؤ الذي يظهره الاقتصاد الصيني منذ جائحة كورونا عام 2019 وتراجع القطاع العقاري والاستهلاك المحلي، والاعتماد المبالغ فيه على الديون التي تتجاوز 180% من الناتج المحلي الإجمالي، قد يفقد الصين قدرتها التنافسية على الصعيد الاقتصادي خصوصا.
ويستحضر بعض المحللين أيضا، على سبيل المقارنة، صعود وسقوط تجربة الاتحاد السوفياتي (أو الكتلة الشيوعية) في صراعه مع الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وفي أثناء الحرب الباردة (1945-1991) تحت ثقل مثل تلك التناقضات وعوامل القصور، وعدم القدرة على مجاراة حيوية وقوة التجربة الأميركية والغربية.
ومع وجود نقاط تشابه كثيرة بين التجربتين -بينها تحكم الدولة وسيطرة الحزب والبيروقراطية- كان الاتحاد السوفياتي يعتمد التخطيط المركزي الصارم في ظل اقتصاد اشتراكي موجه ومغلق، في حين انخرطت الصين بشكل كامل في اقتصاد السوق العالمي رغم الخلاف الأيديولوجي مع الغرب.
كما تمتلك الصين قاعدة اقتصادية وتكنولوجية وبشرية تفوق بكثير ما توفر لدى الاتحاد السوفياتي، الذي قادته الشمولية المفرطة والمنافسة العسكرية والاقتصادية غير المتكافئة مع الولايات المتحدة وأزمة القوميات في النهاية إلى الانهيار.
كما أثرت النفقات العسكرية الهائلة -التي جرته إليها الولايات المتحدة- على الوضع الاجتماعي في الاتحاد السوفياتي، لكن الصين بشكل ما حققت "معجزة اقتصادية"، كما يراها الخبراء، وانتقلت من مجتمع زراعي إلى صناعي خلال عقدين، وطورت دخل الفرد في العقدين الماضيين بنسبة 3000%، وفق بيانات المؤتمر العالمي للاقتصاد في يوليو/تموز 2024.
ورغم عوامل القصور، تبدو الصين قوة اقتصادية صلبة، يصعب تشبيهها بالاتحاد السوفياتي السابق، وهي تمتلك، حسب المحللين والخبراء، من القدرات والموارد التي تطورها باستمرار ما يجعلها قادرة على المنافسة كقوة عظمى.
ومع بدء ولايته الجديدة، يعيد الرئيس دونالد ترامب الرفع من حجم التحديات أمام الصين عبر فرض رسوم جمركية جديدة، وإشعال حرب تجارية قد يخسر فيها لقب "تشوان جيانغو" لدى الصينيين، لكن بكين ترفع أيضا من حجم رهاناتها في سباقها الحالي والمستقبلي مع الولايات المتحدة، في صراع يرتبط بالمصالح وبقيادة العالم مستقبلا.
المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية