الشهادة الجامعية لم تعد ضمانا للحصول على وظيفة


مسعود عمشوش
 
‏إلى وقت قريب كان الناس يرون في الشهادة الجامعية حصنا منيعا وفعالا ضد البطالة. ومع ذلك فهي لم تكن ضمانا مطلقا للحصول على الوظيفة، لا في الدول المتقدمة التي تعطي أهمية للمهارات والخبرة العملية والمنافسة للتوظيف، ولا في العالم الثالث الذي تهيمن على التوظيف فيه الوساطة والمحسوبية لاسيما في القطاع العام. وهذا بالطبع سببٌ رئيس في هجرة العقول والتخلف الذي لا تزال غارقة فيه كثير من بلدان هذا العالم، ومنها بلادنا.
وبشكل عام لا يزال الدبلوم، لاسيما الفني، ورقة رابحة للشباب الذين يريدون دخول سوق العمل، وبشكل خاص في ‏مجالات الصحة والذكاء الاصطناعي، ويعض المجالات الهندسية. بينما يعاني خريجو علم النفس أو علم الاجتماع والعلوم الإنسانية الأخرى من معدل بطالة أعلى.‏ كما أن كثيرا من أرباب العمل حتى في الدول النائمة يهتمون اليوم بالخبرة والأقدمية. ولا شك في أن الأشخاص الذين ليس لديهم دبلوما أو شهادة جامعية أكثر تأثرا بالبطالة، وخاصة الشباب. وقد أدى هذا إلى زيادة البطالة بين الخريجين الشباب، حتى في القطاعات المزدهرة تقليديا مثل الهندسة والصيدلة أو علوم الكمبيوتر.‏
وبشكل عام نلاحظ أن هناك فائضا في إنتاج الخريجين والنخب المتعلمة. ففي كل مكان يفقد الخريجون امتيازاتهم، على الرغم من أن ثورة الذكاء الاصطناعي لا تزال اليوم في بدايتها. ففي الولايات المتحدة، مثلا تُعدّ الأرقام الأخيرة بمثابة تحذير حقيقي؛ ففي مارس الماضي بلغ معدل البطالة بين الخريجين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و27 عامًا 5.8% ولأول مرة، تجاوز المعدل الوطني بكثير (أكثر بقليل من 4%)  وتُظهر البيانات الحكومية التي جمعها باحثون في جامعة شيكاغو أن خريجي الجامعات يُشكلون ثلث العاطلين عن العمل لفترات طويلة (أكثر من ستة أشهر)، مقارنةً بالخمس قبل عشر سنوات. حتى الجامعات المرموقة ليست بمنأى عن هذه الظاهرة. ففي عام 2024، عثر 80% من خريجي كلية ستانفورد للأعمال على وظائف بعد ثلاثة أشهر من تخرجهم، مقارنةً بـ 91% في عام 2021. ووفقًا لتقديرات مجلة الإيكونوميست، كان متوسط ​​رواتب خريجي الجامعات في عام 2015 أعلى بنسبة 69% من متوسط ​​رواتب خريجي المدارس الثانوية.
وفي بلادنا تقلص عدد خريجي الثانوية العامة الراغبين في الالتحاق بالجامعة كثيرا، وذلك لأسباب عدة، أهمها: ترسخ الاعتقاد أن الشهادة التي تمنحها كثير من جامعاتنا اليوم، لاسيما الخاصة مجرد وثيقة تحصلت الجامعة التي منحتها على مبالغ مالية طائلة دون أن تبذل الجهد اللازم لإكساب الطالب التدريب المهارات العلمية والعملية التي يحتاجها سوق العمل اليوم، ولذلك ترسخ الاعتقاد بعدم جدوى تلك الوثيقة (الشهادة) للحصول على وظيفة، وبالمقابل ارتفع عدد المعاهد الخاصة التي تقدم دورات تدريبية سريعة في مجالات مهمة مثل الطاقة الشمسية والعلاقات  العامة واللغات.
كما أن الأزمات السياسية وعسكرة البلاد بطرق متخلفة دفعت كثيرا من الشباب للالتحاق بالعمل العسكري لاسيما أن معظم الأطراف المتصارعة، الداخلية والخارجية، تبادر اليوم إلى دفع مرتبات العسكريين، بينما تستميت الحكومة من أجل التهرب من دفع مرتبات الموظفين المدنيين.
وعلينا التنبيه أن تراجع قيمة الشهادة العلمية يعني بالضرورة ارتفاع مستوى الأمية والجهل. ومن المؤكد أن سندرك قريبا إلى أي مدى نسير نحن في هذه البلاد إلى الخلف.