بعد 53 عامًا.. الكشف عن تفاصيل تحطم طائرة الركاب على سفوح جبل شمسان بعدن

(الأول) خاص:
في ليلة حالكة من ليالي مارس عام 1972، للحادثة التي مر عليها ثلاثة وخمسون عاماً, كانت طائرة الركاب تحلق في سماء عدن، تحمل على متنها أحلام المسافرين وأمانيهم بالوصول إلى وجهتهم بأمان. لكن القدر كان له رأي آخر، فقد انتهت رحلتهم المأساوية باصطدام مروع بجبل شمسان، حيث تحولت الطائرة إلى كتلة من اللهب وسط صمت الليل الحزين. لم يكن هناك ناجون، ولم يتبقَ سوى حطام متناثر يروي قصة خطأ بشري قاتل وظروف جوية لم ترحم. هذه الحادثة المؤلمة لم تكن مجرد كارثة جوية، بل درسٌ محفور في تاريخ الطيران، يذكرنا بأهمية الدقة والالتزام بالإجراءات في عالم لا مجال فيه للخطأ.
تبدأ الحكاية في يوم الأحد, الموافق 19 مارس 1972، كانت الطائرة من طراز McDonnell Douglas DC-9-32، مسجلة في يوغوسلافيا تحت الرمز YU-AHR، ومستأجرة من شركة الخطوط الجوية اليوغوسلافية «إينكس أدريا» التي كانت قد أُعيدت تسميتها حديثًا .. كانت رحلة دولية غير مجدولة لنقل الركاب، انطلقت من مطار القاهرة الدولي في مصر متجهة إلى مطار عدن الدولي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن)، مع توقف ترانزيت في مطار جدة، المملكة العربية السعودية .. اصطدمت الطائرة بجبل شمسان (أعلى قمة في منطقة فوهة عدن البركانية) خلال الاقتراب النهائي، مما أدى إلى احتراقها وتدميرها بالكامل فور الاصطدام أسفر الحادث عن مقتل جميع من كانوا على متنها دون أي ناجين.
تفاصيل الطائرة:
الطراز: McDonnell Douglas DC-9-32
رقم التصنيع: 47503
الرقم التسلسلي للمصنّع: 587
بلد التسجيل: يوغوسلافيا
مالك الطائرة: شركة الطيران اليوغوسلافية Inex Adria
عدد الركاب: 33 راكبًا
عدد أفراد الطاقم: 9 أفراد
مسار الرحلة وجدولها الزمني:
انطلقت رحلة مصر للطيران رقم 763 (MS763) من مطار القاهرة الدولي في مصر، وكانت مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة في المملكة العربية السعودية محطة توقف وسيطة، قبل أن تتجه نحو وجهتها النهائية مطار عدن الدولي في اليمن الجنوبي .. كانت الرحلة دولية غير مجدولة (رحلة عارضة) تقل مسافرين من القاهرة إلى عدن عبر جدة. في يوم 19 مارس 1972 أقلعت الطائرة من جدة متجهة إلى عدن وعلى متنها 33 راكبًا و9 من أفراد الطاقم .. وفي أثناء اقترابها من مطار عدن للهبوط على المدرج 08، واجهت الطائرة مصيرًا مأساويًا.
أسباب الحادث والتحقيقات الرسمية:
أظهرت التحقيقات أن الحادث وقع نتيجة اصطدام الطائرة بتضاريس مرتفعة (جبل شمسان), بينما كانت في وضع طيران عادي (أي لم يكن هناك عطل تقني يمنع التحكم بالطائرة) .. وهو ما يُعرف بحادث الارتطام بالجو المراقَب بالأرض (CFIT) .. كانت الأحوال الجوية وقت الاقتراب سيئة مع مدى رؤية محدود, ورغم ذلك حاول الطاقم تنفيذ نهج هبوط بصري (VFR) بدلاً من الاعتماد الكامل على الأجهزة الملاحية, ولم ترصد التحقيقات أي خلل فني في الطائرة، مما يُشير إلى أن الخطأ البشري وقرار الطاقم غير السليم بالاستمرار في الهبوط بصريًا وسط ظروف جوية غير ملائمة كان السبب الرئيسي للحادث .. خلص التقرير الرسمي (الذي أجرته سلطات الطيران المدني في اليمن الجنوبي بالتنسيق مع مصر للطيران والخطوط اليوغوسلافية المالكة للطائرة) إلى أن خطأ الطيار في المحافظة على ارتفاع آمن أثناء الاقتراب هو ما أدى إلى اصطدام الطائرة بجبل شمسان .. ولم تُظهر التحقيقات أي عوامل أخرى, مثل أعطال تقنية أو انفجار قبل الاصطدام.
وعلى عكس ما ذُكر أعلاه ذكرت صحيفة الأخبار المصرية في عددها الصادر عام 1972م, بأن وزارة الطيران المصرية أوفدت بعثة فنية برئاسة المهندس مصطفى العقاد مدير إدارة التحقيقات وتحليل الحوادث, وتضم الكابتن محمد عباس المراقب العام للعمليات, والمهندس رمسيس زكي, مراقب التفتيش الفني بالهيئة العامة للطيران المدني, والكابتن شوقي ياقوت كبير طياري الكوميت يمؤسسة مصر للطيران, وجمال عمر كبير المضيفين بالمؤسسة, وأربعة من المهندسين اليوغسلافيين بشركة "جات" صاحبة الطائرة التي استأجرتها منها مؤسسة مصر للطيران, للعمل خلال موسم الحج .. وقد أشارت الصحيفة إلى أنه تضاربت الاراء حول أسباب الحادث, حيث قال أحد شهود العيان, وهو مراسل وكالة يونايتد برس في عدن, أنه رأى الطائرة تحلق على إرتفاع منخفض فوق منزله القريب من المطار, وفجأة توقفت محركات الطائرة ثم رأها وهي ترتطم بالجبل والنيران تشتعل منها, وقال أنه لايعرف لماذا توقف قائد الطائرة اليوغسلافي عن الاستعداد للهبوط في المطار!!.
أسباب الحادث:
الطقس: كانت الظروف الجوية سيئة للغاية وقت الحادث، مع وجود ضباب كثيف وأمطار غزيرة.
خطأ الطيار: أشارت التحقيقات إلى أن الطيارين ربما فقدوا السيطرة على الطائرة أثناء محاولتهم الهبوط في ظل ظروف الطقس الصعبة.
الملاحة: كان هناك احتمال أن يكون خطأ في قراءة أدوات الملاحة أو سوء تقدير للمسافة بين الطائرة والجبل.
موقع التحطم:
تحطمت الطائرة على منحدرات جبل شمسان، وهو جبل يقع على بعد حوالي 5 كيلومترات من مطار عدن. تم العثور على حطام الطائرة متناثراً على مساحة واسعة بسبب شدة الاصطدام.
بعد الحادث:
تم إجراء تحقيقات مكثفة من قبل السلطات البريطانية واليمنية لتحديد أسباب الحادث.
تم تحسين إجراءات الملاحة والاتصالات في مطار عدن لتجنب حوادث مماثلة في المستقبل.
يعتبر هذا الحادث واحداً من أكثر الحوادث المأساوية في تاريخ الطيران المدني في تلك الفترة.
هذا الحادث يعد من الأحداث المؤلمة في تاريخ الطيران، ولا يزال يُذكر كدرس حول أهمية السلامة الجوية، خاصة في الظروف الجوية الصعبة.