وطنٌ... أمْ منفى؟!

    

          بقلم /عبدالله العطار

عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

في شوامخ ووهاد وطن كليم، يتأرجح العقل بين مطرقة الاغتراب الروحي، وسياط الواقع المتكلس. 

فغربة العقول سفر بعيد عن الأوطان، واقتلاعٌ داخليٌّ للتربة الثقافية والاجتماعية،حيث يُولد الفكر حراً، ويُدفن تحت ركام الجهل والانتهازية.

في وطن عاثر الحظ ،ومجتمع يركض خلف ركام السنين ....مربضٌ تُستقبل فيه العقول كصوت نشاز لا يليق بالسكون الأبكم. 

ومفكرٌ يذرع دروب الغربة جيئةً وذهاباً بين أهله وناسه...ففكرةٌ مُعابة، ووعيٌ مغيّب، وأفق محاط بسياج موروثٍ مشوّه.

الصمت حماقة لا تغتفر، والرفض تمرد حفيٌّ بالإقصاء.

وُجِدنا في رحاب بلد أرهقته المآسي،واستأثرت بصفوته المنافي، فانحرفت بوصلة الأمل، وحاد المسار عن الوصول.

وطنٌ فيه الانتهازي سيد الموقف، يسرق العقول ويقتات على قضاياها، تُقصى النخب، وتُشنّ ضدها حملات التشويه ، وكأنها تعكر على "السائد" راحته.

  في كل وجهةٍ مأساة، يستشري في اقبيتها ليلٌ بهيم...يمتد من الإعلام إلى التعليم، ... تُكمم الأفواه الحرة، ويُفتح الطريق 

للمتسلقين ،وتدفن الكفاءات، لأنها تهدد النسق السائد.

وفي الواقع الناقع ليست الجامعات بمنأى عن التكريس للداء ،فهي تدفع إلى المجتمع بأفواجٍ من الأميين وأشباه المتعلمين، أقصي فيها العقل، وأُبعد الكفء...كل ذلك تحت طائلة "لا"، وجريرة "لو" ، لأنه اقترف حرفاً مردّه إلى الرجعية في الانتماء.

فكم من باحث مستنير،و أكاديمي جهبذ حوصر في لقمة عيشه،لأنه أبى بأن يكون جزءاً من منظومة الفساد أو النفاق!.

وطن يفترش وثيرَه اللصوص والأدعياء، وتبسط موائده للمتخمين... هذه هي الغربة الفعلية،ومسيرة يشعر المرء معها بغربة في لغته ومؤسسته ومجتمعه، وفي أسرته أحياناً، ...شعور يغتالنا من الداخل ،ليغدو نزف التفكير ترفاً ،والسكوت فضيلة.

قال مالك بن نبي : "الاستعمار لا يدخل من الباب، بل من العقول المتعطلة".. فحين تقتل العقول في أوطانها، يصبح الجهل عرشاً، ويغدو القطيع أئمة المرحلة.

لق شخّص الكواكبي، الداء، رابطاً بين الاستبداد والجهل، فكل فكر حر يُعتبر تهديداً لحكم الظلمة، وكل عقل واعٍ يُرى كقنبلة مؤجلة الانفجار.

إن المأساة ليست فقط في واقعنا المأزوم، بل في تواطؤ المجتمع مع صمته، حينما يصفق للزيف ويخوّن الصدق، حينما يعلي من شأن الجهالة ويزدري الوعي، لتصبح الغربة قدراً للعقلاء، والتمكين نصيباً للمَلِقِين.

وطني ومنفايْ

تعبت العقول من الركض؟

وملّت من الدفن تحت رهج الصمت؟!

أيها الوطن المقصلة

غدوتَ ذاكرة غائبة عن وعيها تقضم أبناءها إذا فكروا

وقالوا: "لماذا؟".

وطني ...ترى هل سيذكرنا وطن فاقد الذاكرة؟!

غدونا غرباء، لا نحمل جواز مرور آخر، نُطارَدُ كأنّا طعنّا القلب.

غُربة العقل أقسى من فَقْد الأم

فأنْ تُولد في بيتك، وتُربّى على قيمك، ثم إذا أعملت فكرك، قالوا عنك: "مارق، شاذ، عميل".

أتدري كيف تغدو الليالي في منافي العقول؟

نحاور الحرف، ونبكي مع الندى

نتوارى عن الأضواء

ليضوع من أزهارنا عبير  الثورة.

إيمانا راسخا ،وإصرارا يأبى إلا أن يمضي على حَسَك التعلل بالقول عنها :

بلادٌ ألِفْناها على كل حالةٍ

وقد يٌؤْلَفُ الشيءُ الذي ليس بالحَسَنْْ

ونستعذبُ الأرضَ التي لا هواؤُها

ولا ماؤُها عذبٌ... ولكنها وطنْ