تعرّف على الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب وبوابة الملاحة البحرية العالمية
(الأول)خاص.
يحظى مضيق باب المندب، جنوب البحر الأحمر، بأهمية استراتيجية على المستوى الدولي، إذ خَوَّل له موقعه الجغرافي، الربط بين شرق العالم وغربه، مشكّلًا بوابة عبور للملاحة البحرية، ومنفذ مرور بالغ الأهمية.
وتشير المعلومات إلى أن المسافة بين ضفتي المضيق تبلغ 30 كم، ويعدّ مضيقًا طبيعيًّا، وقد تسبب وقوع الجزيرة اليمنية "بريم"، المشهورة كذلك بمسمى "ميّون"، شرق المضيق، بتقسيمه إلى قناتين.
عُرفت القناة الأولى بالقناة الشرقية، وأُطلق عليها مسمى "باب إسكندر"، ويبلغ عرضها 3 كليومترات ، ويصل عمقها إلى 30 مترًا، فيما تُعرف القناة الثانية بالقناة الغربية، وأُطلق عليها مسمى "دقة المايون"، ويبلغ عرضها 25 كليومترا، ويصل عمقها إلى نحو 310 أمتار.
وقال الباحث والمحلل السياسي فؤاد مسعد، إن "مضيق باب المندب يعتبر من أهم الممرات المائية الدولية، بحكم أهمية المسطّح المائي الذي ينتمي إليه المتمثل في البحر الأحمر، وأهمية موقع المضيق الجغرافي المتميز، وسيطرته على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتكوينه للمياه الإقليمية للدول الآسيوية والأفريقية (اليمن، جيبوتي، وأرتيريا)؛ ما جعله يشكل مجالًا واسعًا ضمن أولويات إستراتيجية الدول الكبرى، وأطماعها الاستعمارية منذ القرن السادس عشر".
وأضاف مسعد، "يستمدّ باب المندب أهميته، كنقطة اختناق كثيف للشريان البحري العالمي، من موقعه في نهاية الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، الذي يعدّ أقصر طريق بحري يربط بين الشرق والغرب بحكم خصائصه الجغرافية".
وتابع "ترجع أهميته إلى تحكمه في التجارة العالمية، نظرًا لحجم التجارة الدولية وحركة نقل النفط عبره، كما إنه الممر المائي الذي يُوصل بين المحيطين الهادي والهندي والبحر المتوسط عن طريق البحر الأحمر عبر قناة السويس فالمحيط الأطلسي، وباعتباره نقطة التقاء حاسمة لحركة التجارة بين الاتحاد الأوروبي من جهة، والصين واليابان والهند وبقية آسيا من جهة أخرى".
وأوضح مسعد، أن "المضيق يعتبر ممرًّا رئيسًا لأكثر من 30%، من حركة النفط العالمية، خاصة من الخليج العربي وإيران، وقد ازدادت أهميته بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، وظهور أكبر مخزون للبترول في شبه الجزيرة العربية".
وأشار إلى أن "مضيق باب المندب، يحتلّ المرتبة الثالثة عالميًّا، بعد مضيقي ملقا وهرمز، حيث يمر عبره يوميًّا 3 ملايين و300 ألف برميل نفط، بما يمثل 4%، من الطلب العالمي على النفط، كما تمرّ عبره 21 ألف سفينة سنويًّا، أي أن الشحنات التجارية التي تمرّ عبره تعادل 10% من الشحنات التجارية العالمية".
بدوره، أوضح رئيس مركز أبعاد للدراسات السياسية والبحوث الإستراتيجية عبدالسلام محمد، أنه "من الناحية الجيوسياسية، يُعدّ مضيق باب المندب، من أهم الممرات المائية في العالم؛ فهو ملتقى بين بضع قارات، وهي القارة الآسيوية من خلال البحر العربي والمحيط الهندي، والقارة الأفريقية التي تقع في الجهة المقابلة لساحل البحر الأحمر".
وأكد محمد، بالإضافة إلى امتداده حتى القارة الأوروبية، حيث توجد في نهاية مطاف البحر الأحمر قناة السويس، وهي ممر مائي يربط آسيا بأوروبا في البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي يعتبر مضيق باب المندب ملتقى 3 قارات وليس قارتين فحسب".
وتابع "أما من الناحية الاقتصادية، فأكثر من 12% من الاقتصاد العالمي يمرّ عبر مضيق باب المندب، حيث يمر من خلاله ما يقارب 5 ملايين برميل نفط يوميًّا، بمعدل 4.8% تقريبًا من النفط العالمي؛ ما جعله من أهم الممرات التجارية والاقتصادية الدولية".
ولا تقتصر أهمية مضيق باب المندب، على المستوى التجاري والملاحي فقط، بل الأمر يتجاوز ذلك ليصل إلى أهمية عسكرية محورية، إذ كانت السيطرة عليه في حروب سابقة، لا سيما منتصف القرن الماضي، عاملًا مهمًّا، ومرجّحًا كفة ميزان من يسيطر عليه، وفق شواهد عدة. وقال الباحث السياسي فؤاد مسعد، إن "أهمية مضيق باب المندب العسكرية تكمن في كونه يمثل منطقة الاختناق الجنوبية للبحر الأحمر، ويوفر ميزة الدفاع عن المدخل الجنوبي للبحر، من نقاط حصينة تقع إما على الشواطئ المرتفعة المحمية طبيعيًّا، وإما فوق جزيرة بريم التي تعترضه، إذ يمكن إقامة نقاط الرصد والمراقبة ومحطات الرادار، أو إقامة القواعد العسكرية، لما يوفره الوضع الجغرافي لمضيق باب المندب".
من جانبه، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات السياسية والبحوث الإستراتيجية عبدالسلام محمد، إن "إيران ظلت تهدد بإغلاق مضيق باب المندب طوال السنوات الماضية، واستعرضت هذه المرة، من خلال استغلال حرب غزة عبر ميليشياتها المدعومة من قبلها، وهم الحوثيون، فبالتالي مضيق باب المندب، له أهمية اقتصادية وجيوسياسية، وعسكرية كبيرة جدًّا".
ونبّه محمد، في سياق حديثه، إلى أنه: "إضافة إلى كل ما سبق ذكره، فإن مضيق باب المندب، يشكّل أهمية أمنية كذلك، من خلال نقاط التهريب البشري بين أفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى الإرهاب العابر للحدود، عبر تهريب الأسلحة، من خلال السواحل القريبة من المضيق، والتي كلها تمر عبره ومن خلاله، فهذه أهمية أمنية إضافية، يجب أخذها بعين الاعتبار، وعدم إغفالها".
وقال:"هناك الكثير من المميزات التي يتمتع بها باب المندب، التي تجعل أي دولة تشرف عليه، لها أهمية جيوسياسية وعسكرية وأمنية كبيرة، إلا أن اليمن بسبب وضعه الحالي، ووضعه السابق في ظل وجود دولة هشة وضعيفة، لم يتمكن من الاستفادة من هذا الممر المائي المهم". وأشار إلى أن"العالم الآن، يعاني بسبب سيطرة الميليشيات على الدولة في صنعاء، بل يشرب من الكأس الذي ظل هذا العالم يوهم نفسه، على أن هذه الميليشيات، يمكن التفاهم والتحاور معها". ..ت