غفلة الجهل وغياب الرؤية
دعوة للاستثمار في الإنسان والطاقة ، يعيش مجتمعنا منذو عقود بين مطرقة الحروب وسندان التهميش ،في خضم واقع يزداد تعقيدًا وتراجعًا، تبدو غفلة الجهل أخطر ما يهدد المجتمعات، حين تُهدَر الطاقات، ويُستنزف الإنسان في معارك عبثية لا تبقي ولا تذر. ومن المؤسف أن نرى أبناء هذا الوطن يُستدرجون، جيلاً بعد جيل، إلى دوامة الصراعات المناطقية الضيقة، بدل أن يكونوا بناة مستقبلٍ، ومحرّكًا لعجلة التنمية.
لقد آن الأوان لنُدرك — كأفراد وكمجتمع وكمؤسسات مسؤولة — أن الطاقة البشرية هي أثمن مورد نملكه. ولسنا بحاجة فقط إلى استثمار في الطاقة بمفهومها الفيزيائي أو الصناعي، بل إلى استثمار في الإنسان ذاته، في عقله، في قدراته، في وعيه، وفي طموحه. فبلادنا الغنية بمواردها الطبيعية، لم تُدمّرها ندرة الثروات، بل غياب الرؤية، وسوء الإدارة، والانغماس في الصراعات التي جرّفت كل محاولات النهوض.
إننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى إطلاق مشروع وطني جامع لبناء قوة صناعية وتنموية، تنطلق من استثمار عقول شبابنا بدل تسليحهم، ومن توجيه طاقاتهم نحو التعليم، البحث العلمي، الابتكار، والمشاريع الإنتاجية، لا نحو المتارس والجبهات. كفانا أن نكون مجتمعًا مستهلكًا ينتظر ما يصنعه الآخرون. لقد أثبت التاريخ، أن الأمم التي لا تُنتج، تصبح رهينة لغيرها، في غذائها، ودوائها، وقرارها.
ولذلك، فإن استمرار تهميش الشباب، وتركهم ضحايا البطالة والفقر والتجهيل، هو جريمة بحق مستقبل الوطن. ولا يمكن أن نبرّر هذا الواقع، أو نعتاد عليه، أو نتركه يُعاد إنتاجه في كل أزمة. ما نحتاجه هو رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تضع بناء الإنسان أولاً، وتعامل كل فرد كقيمة مضافة، لا كرقم زائد في معادلات الصراع.
ونحن، في هذا السياق، نرفض أن يُترك أبناؤنا مجرد وقود لحروب لا طائل منها، أو أدوات بيد أمراء المناطق والمصالح الضيقة. إن ما نطمح إليه هو وطن يتّسع للجميع، ويستثمر في الجميع، ويحرر الإنسان من أغلال الجهل والخوف والتبعية.
فلتكن النهضة خيارنا، والمعرفة سلاحنا، والتنمية مشروعنا الجماعي. فالحروب لا تبني الأوطان، وإنما تهدم ما تبقى منها. أما الشعوب التي تستثمر في الإنسان، فهي وحدها القادرة على الوقوف في وجه التحديات، وصناعة مستقبلها بكرامة واقتدار.