الحفاظ على التراث الثقافي والنشاط السياحي: من رعاية القطاع العام إلى رعاية القطاع الخاص
مسعود عمشوش
هناك اليوم مؤسسات ومراكز وهيئات رسمية تتولى مهمة تنمية القطاع السياحي والحفاظ على التراث الثقافي، سواء كان ماديا ملموسًا مثل الآثار والمصنوعات الحرفية والعمارة والمواقع، أو غير ملموس كالأهازيج والحكايات الشعر الشعبي والتقاليد. من هذه المؤسسات ما هو دولي مثل مركز التراث العالمي لليونسكو، الذي ينسق الأنشطة المتعلقة بالتراث العالمي، ويقدم المشورة للدول الأعضاء ويدير قائمة التراث العالمي، والمركز الدولي لدراسة حفظ وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم)، الذي يسعى إلى تعزيز الحفاظ على التراث الثقافي ويقدم الأدوات والمعرفة والمهارات للدول الأعضاء. ومنها ما هو إقليمي مثل إدارة الثقافة في منظمة الألكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) التي تقوم بدور حيوي في تطوير الثقافة العربية، والحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية الثقافية العربية. ومن تلك المؤسسات ما هو وطني، مثل هيئات التراث أو مراكز المحفوظات والتوثيق في مصر أو الجزائر.
وفي الجنوب كان لدينا، قبل عام 1990، الهيئة العامة للآثار والسياحة التي كانت تتبع وزارة الثقافة والسياحة، والتي قامت بتأسيس عددٍ من المتاحف للآثار وأخرى للعادات والتقاليد في عواصم جميع المحافظات. وقد أسهم المرحوم عبد الله محيرز، الذي كان أول مدير عام لمركز الأبحاث الثقافية والآثار للفترة 1975 ــ 1989 في جمع عدد كبير من الوثائق الخاصة ببلادنا، وتصويرها وفهرستها. وفي تلك الفترة تولى الأستاذ عبد العزيز بن علي بن صلاح القعيطي إدارة المؤسسة العامة للسياحة وأسهم في تطوير قطار السياحة في الجنوب وتأسيس عدد من المتاحف.
لكن منذ 1990 لاحظنا تراجعا كبيرا لدور القطاع العام في مهمة الحفاظ على التراث الثقافي في بلادنا، وذلك بسبب تقليص الميزانيات المخصصة للمؤسسات المعنية والأزمة السياسية المستدامة. ويلاحظ أن معظم السلطات المحلية بالمحافظات تحاول اليوم ردم هذه الفجوة، وشرعت في تنظيم مهرجانات تراثية ثقافية سنوية في عواصم المحافظات. هذا ما يحدث في عتق وحوطة لحج مثلا. ومن بين جامعات الجنوب تميّزت جامعة أبين بإنشاء (مركز التراث الشعبي والدراسات) برئاسة الدكتور ماجد قائد. وقام هذا المركز بعدد من الفعاليات والأنشطة المهمة.
ومع تراجع دور القطاع العام في تنمية قطاع السياحة والحفاظ على الموروث الثقافي في بلادنا تصاعد، بالمقابل، إسهام المؤسسات الخاصة في هذين المجالين. فمنذ مطلع هذه الألفية برزت كثير من مراكز التراث والمتاحف الخاصة، بمبادرات فردية أو مؤسسية خاصة. وتركز جميعها على جمع حفظ وعرض مقتنيات تاريخية وثقافية وتراثية متنوعة، مثل الآثار والأدوات والمصنوعات الحرفية القديمة والكتب النادرة. وفي الأساس يمكن القول إنها تسعى إلى استكمال الصورة التاريخية والحضارية التي تقدمها المتاحف الحكومية. وتختلف هذه المراكز والمتاحف الخاصة في نطاقها وموضوعاتها، فمنها المتاحف التراثية العامة ومنها المتاحف المتخصصة في فنون أو حرف أو عصر معين.
مثلا في عدن يسعى مركز الفنون والثقافة والموروث الشعبي، الذي تديره الأخت أنيسة حسن، إلى إحياء مختلف الجوانب التراثية الثقافية من فنون تشكيلية وغناء وموسيقى وتمثيل مسرحي ودرامي، وتقديمها لأطفالنا وشبابنا وكل أفراد المجتمع. ويقدم مركز التراث الذي أسسته الأخت أنيسة طربوش في خورمكسر عدن والذي يركز على المصنوعات الحرفية والخياطة، نموذجا آخر للعطاء التراثي في عدن؛ فقد قام مؤخرا بدعم الجناح التراثي في المعرض العلمي الأول لمدرسة الجودة بخورمكسر.
ويبدو أن حضرموت هي التي تحتضن اليوم أكبر عدد من المراكز والمؤسسات التراثية السياحية الخاصة في بلادنا. ففي تريم تأسس مركز التراث والعمارة الطينية ومركز رقصة الزربادي. وفي سيؤن هناك مؤسسة حضرموت لخدمة التراث الذي أسسه حسن عمر باحشوان المهتم بالحفاظ على التراث المادي مثل الفضة والمنسوجات القديمة. وفي سنة 2018 أسس المهندس ماجد الكربي في سيؤن (مركز التراث الحضرمي الثقافي)، الذي يضم متحفا للتراث المادي يشمل الأزياء، المصوغات، الفخاريات، النقود، الأسلحة، والأثاث التقليدي. وقسما للتراث غير المادي يتضمن توثيقًا للحكايات والأغاني والأهازيج الشعبية. ومكتبة مخصص للكتب التي تتناول تراث حضرموت، وقاعات تستخدم لتنظيم الندوات والمحاضرات الدورية حول تراث حضرموت. وفي مدينة ساه تمّ تأسيس (القرية التراثية) التي تسعى إلى توثيق التراث الحضرمي والحفاظ عليه، وتحتوي على أجنحة وأقسام مختلفة تعرض نماذج من التراث في حضرموت.