وطن على حافة الانهيار!

في وقت يعاني فيه الموظف البسيط وأسرته من معاناة قاسية نتيجة انقطاع الرواتب أو تأخر صرفها لأشهر طويلة، تنعم بعض القيادات وأسرها بحياة مترفة وامتيازات مفرطة. هذه المفارقة المؤلمة تخلق فجوة واسعة بين الشعب والسلطة، مما يجعل الموظف يشعر بالخذلان والتهميش داخل وطن يُفترض أن يحميه ويصون كرامته.
الموظف الذي ينتظر راتبه لتأمين الغذاء والتعليم والدواء لأطفاله يجد نفسه عاجزاً عن تلبية أبسط احتياجات أسرته. ومع تراكم الشهور دون مرتب، تتفاقم ديونه وتتصاعد مخاوفه اليومية من الجوع والمرض، بينما تغيب الحلول الواقعية من الدولة لتخفيف معاناة المواطنين.
لم تؤثر أزمة انقطاع الرواتب على الأسر فقط، بل أصابت السوق بحالة ركود خانقة، إذ انخفضت القوة الشرائية وامتنع العديد من العائلات عن التسوق والإنفاق. ومع ضعف الدخل وغياب البدائل، ارتفعت معدلات الفقر والبطالة، وبدأت معدلات الجريمة في التصاعد، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي بشكل مباشر.
الأمر الأكثر خطورة أن الكفاءات والعقول الشابة لم تعد ترى مستقبلاً في الوطن، فاختارت الهجرة بحثاً عن فرص أفضل للأمان والكرامة، تاركة فراغاً يصعب تعويضه.
تستلزم المرحلة الحالية اتخاذ إجراءات عاجلة تبدأ بضمان صرف الرواتب بانتظام، إلى جانب تنفيذ إصلاحات جذرية في الإدارة المالية ترتكز على الشفافية والمحاسبة. كما يجب إعادة النظر في الامتيازات المفرطة التي يمنحها البعض من القيادات، وتوجيه الموارد نحو بناء شبكة أمان اجتماعي تدعم الموظفين وأسرهم في مواجهة الأزمات.
الحل لا يقتصر على صرف الرواتب فقط، بل يتطلب إصلاحات اقتصادية شاملة تعتمد على تنشيط القطاعات الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل، مع محاربة الفساد بكل أشكاله، بالإضافة إلى إشراك المجتمع في صنع القرار ليشعر المواطن بأن صوته مسموع وتضحياته مُقدّرة.
إن تجاهل معاناة الشعب لن يؤدي إلا إلى زيادة الاحتقان وتراجع الانتماء الوطني، فالمواطن هو الثروة الحقيقية لأي وطن، وإذا فقدته الدولة نتيجة سياسات الفساد والتجاهل، فإنها تخسر مستقبلها بأكمله.