27 سبتمبر اليوم العالمي للسياحة
مسعود عمشوش
تزامن يوم أمس السبت 27 سبتمبر مع يوم العالمي للسياحة. ويعود بدء الاحتفاء بهذا اليوم إلى عام 1970 عندما أقرت منظمة السياحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، نظامها الأساسي، وذلك بهدف رفع مستوى الوعي بأهمية القطاع السياحي وقيمته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وإبراز دوره في دعم مسيرة التنمية المستدامة عبر الفعاليات والمؤتمرات والمعارض العالمية. ويشكل هذا الاحتفاء علامة فارقة في مسار السياحة الدولية، فهو يسهم في تعزيز دورها لتحقيق أهداف الاستدامة والازدهار، وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي الذي يُسلط الضوء سنويًا على محور رئيسي من محاوره عبر اختيار شعار مخصص لكل عام.
ويعد يوم السياحة العالمي فرصة للتذكير بأهمية السياحة وقدرتها على الإسهام في التنمية والتواصل بين الثقافات والحفاظ على التراث. وكل عام يحدد لليوم العالمي للسياحة موضوع محدد لتسليط الضوء على جانب معين من السياحة. وهذا العام تمحور اليوم العالمي حول موضوع "السياحة والتحول المستدام"، ومن خلاله سلّط الضوء على الأهمية الاقتصادية والثقافية للسياحة، التي تسهم كذلك في توفير وظائف في الفنادق وشركات الطيران والمطاعم، إضافة إلى فرص غير مباشرة في قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعات الغذائية والنقل والبنية التحتية.
ومن المعلوم أن بلادنا التي شاركت أمس دول العالم في الاحتفال باليوم العالمي للسياحة تضم مدنا وقرى تتمتع بمقومات جذب سياحي كبير. فعدن، مثلا، كانت ذات يوم أجمل و"أرخص" مدينة في الجزيرة العربية. وكانت أمنية كل من ركب سفينة أن يتمكن من التوقف فيها ولو لساعات. واليوم نتوق إلى أن تصبح مدينتنا عدن مدينة جميلة كي نسعد بمشاهدتها نحن وأولادنا وضيوفنا وكذلك السيّاح. وأعتقد أنّ علينا أن نذكر أنّ عدن مدينة قديمة وتمتلك، مثل كثير من مدن الجنوب، مخزونا كبيرا من الموروث الثقافي الشعبي والعمراني بالإضافة إلى بحرٍ أزرق دافئ يمكن أن يجذب عشاق التجديف، وكذلك جبال شاهقة تشجع على ممارسة رياضة تسلق الجبال. وبفضل موقعها الجغرافي وموروثها العمراني ومعالمها الأثرية يمكن أن تصبح عدن من جديد- محطة إجبارية للسياح القادمين إلى بلادنا. فالسياح يستطيعون اكتشاف تحصينات عدن الأثرية والبغدات وشبكات توزيع المياه (السدود) الموجودة فوق الجبال وليس فقط قلعة صيرة والصهاريج. وأرى كذلك أن أندية عدن يمكن أن تبادر إلى تشجيع رياضة تسلق الجبال قبل أن يفكر وكلاء الوكالات السياحية العالمية في احتكار جبالنا.
وفي مجال العمران أيضا، يوجد في عدن أنماط من المنازل لا يمكن العثور عليها في أي مدينة أخرى: بيوت ذات طوابق خشبية ومشربيات مميزة وواجهات علوية مصبوغة باللون الأسود وتتوسطها مسهّمات بيضاء (وهذا على ما يبدو من اللمسات الهندية في عدن). وحبذا لو سارعت السلطة المحلية في عدن إلى وقف حملات الهدم التي تتعرض لها تلك المنازل القديمة وشجعت بشكل ملموس أصحابها على المحافظة عليها وصيانتها. فهي جزء من ذاكرة المدينة.
وتحتضن حضرموت اليوم أكبر عدد من المراكز والمؤسسات التراثية السياحية في بلادنا. ويعد متحف الآثار بسيؤن، الذ يقع في قصر سيؤن، قبلة للزوار والسياح في وادي حضرموت. فهو افتتح في عام 1983، وأصبح في عام 1984 مقراً للهيئة العامة للآثار والمتاحف في حضرموت، ويحتوي على قطع أثرية تعود لحضارات مختلفة. وخلال زيارتي للمتحف يوم الخميس الماضي ألتقيت بمشرفه الأخ عبد الله الحامد الذي قدم لي شرحا مسهبا لمحتويات المتحف والمصاعب التي يواجهها اليوم.
ويأوي قصر سيؤن اليوم متحف العادات التقاليد الاجتماعية الذي يضم مجموعات أثرية وتاريخية تجسد الحياة في وادي حضرموت، مثل الأواني الفخارية والخزفية والأسلحة، والمجوهرات، وأدوات الزراعة، وبعض الصور الفوتوغرافية القديمة التي التقطها في ثلاثينيات القرن الماضي عدد من الرحالة الغربيين في وادي حضرموت. وقد قدم لي الأستاذ محمد عبد القادر بن محمد الصبان، الذي يشرف على المتحف، كثيرا من المعلومات حول العادات في وادي حضرموت، وذكر لي أن مدينة سيؤن بدأت تستعيد شيئا من نشاطها السياحي منذ عامين.
وفي وادي حضرموت تأسست عدد من المراكز السياحية التي تعنى بجمع القطع التراثية المادية وغير المادية. ففي سيؤن هناك مؤسسة حضرموت لخدمة التراث الذي أسسه حسن عمر باحشوان المهتم بالحفاظ على التراث المادي مثل الفضة والمنسوجات القديمة الذي تشرفت بزيارته يوم الخميس الماضي. وفي سنة 2018 أسس المهندس ماجد الكربي في سيؤن (مركز التراث الحضرمي الثقافي)، الذي يضم متحفا للتراث المادي يشمل الأزياء، المصوغات، الفخاريات، النقود، الأسلحة، والأثاث التقليدي، وقسما للتراث غير المادي يتضمن توثيقًا للحكايات والأغاني والأهازيج الشعبية. ومكتبة مخصص للكتب التي تتناول تراث حضرموت، وقاعات تستخدم لتنظيم الندوات والمحاضرات الدورية حول تراث حضرموت.
وفي سيؤن أيضا أسس الأستاذ هادي كرامة بزعل (متحف النخيل) الذي يحتوي عددا كبيرا من الأقسام تتضمن مئات القطع ذات الطابع الأثري. وفي كل من مدينة ساه ومدينة وادي بن علي (غربي الحوطة) تمّ تأسيس (القرية التراثية) التي تسعى إلى توثيق التراث الحضرمي والحفاظ عليه، وتحتوي على أجنحة وأقسام مختلفة تعرض نماذج من التراث في حضرموت.
واليوم، إذا كانت بلادنا تزخر ببنية تحية سياحية ممتازة فهي في الحقيقة لا تزال منذ حرب 1994 تعاني من ركود في النشاط السياحي. ويبدو أن وادي حضرموت فقط هو الذي بدأت السياحة تستعيد شيئا من ألقها.