( رحلتي إلى النـِّـيد) لعمر عبد الله العامري (1/3)
تقديم مسعود عمشوش
عند إعدادي لكتاب (صحاري حضرموت) بحثت عن أكبر قدر من المراجع التي تتضمن معلومات عن نجود حضرموت. ولم أعثر حينها إلا على بعض الإشارات في كتابات بعض الضباط البريطانيين والرحالة عبد الله فيلبي وثسينجر، وكذلك ما كتبه المؤرخ علوي بن طاهر الحداد في كتابه (الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها)، وما ضمنه المؤرخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف كتابه (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت). وبعد أن نشرت الكتاب أهداني الزميل عمر عبد الله سالم بن قلط العامري، الذي سبق أن قدمت له كتابا بعنوان (ذكرياتي مع أمي)، كتابه الثاني (رحلتي إلى النيد، قُف العوامر، جباء)، الذي أكرس له هذه السطور لتقديمه.
وفي الحقيقة، يدخل هذا الكتاب في إطار أدب الرحلات، إذ أن مؤلفه يسرد فيه الرحلة التي قام بها إلى منطقة النيد بقف العوامر في هضبة حضرموت الشمالية المحاذية لصحراء الربع الخالي، في مايو سنة 2020، وذلك برفقة عائلته وقريبه محمد بن عوض بن قلط العامري، الذي استهل عمر كتابه بشكره. كما عبّر المؤلف عن شكره للشيخ سعيد البرك بن عسالة العامري وإخوانه الذين استقبلوهم بحفاوة في قصرهم العامر في منطقة جباء.
ويؤكد العامري في المقدمة أن هدفه من تأليف الكتاب يكمن في رغبته في "تقديم مسقط رأس أجداده: قف العوامر، وبالذات منطقة جباء، التي يسكنها فخذ من آل العوامر، هم آل عبد الباقي". فهو يرى أن تلك المنطقة، على الرغم من أهميتها، "وما تكتنزه من خيرات طائلة في مجال النفط والمعادن النفيسة، وكذلك السياحة البرية التي أَصْبَحَ لها عشاقها، خاصة بعد أن تمهدت الطرق وظهرت السيارات الحديثة، والاتصالات المتطورة، لم يُؤلف عنها للأسف الشديد كِتَابٌ خَاصٌ. وتوجد نتف بسيطة هنا وهناك، ضمنها المؤرخ علوي بن طاهر الحداد في كتابه: الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها، حيث عرج فيه على ذكر بعض الأودية للهضبة الشمالية وسكانها. وكتب عنها كذلك بعض الرحالة الأجانب، مثل سيرجنت وفيلبي، وهم لم يعطوها حقها من الكتابة، وأنا لا ألومهم فهم في الأول والأخير رحالة كتبوا ما قابلهم في رحلاتهم".
وقد ضمّن العامري كتابه عددا كبيرا من المعلومات المرتبطة بقف العوامر وتحديدا منطقة جباء. وبدأ بتحديد معنى كلمة القف، مؤكدا أن "القف لغةً هو كُلُّ ما ارتفع من الأرض وصلبت حجارته. وفعلاً حين تصعد من عقبة قتبة الواقعة بمنطقة عيديد بتريم، ينطبق هذا التعريف على قف العوامر، وباقي النجود الأخرى، وهي نجد الكثيري ونجد الصيعري أو كما يسميه بعضهم ريدة الصيعر". ثمّ يحاول المؤلف تبرير إطلاق كثير من الحضارم كلمة (النِّيد) على النجد (مفرد نجود). ويرى "أن كلا النطقين صحيح، والسبب أن هناك لهجتين للعرب: لهجة تميم ولهجة قريش، وحضرموت الوادي والساحل واقعة بين هاتين اللهجتين، فتميم تعيش إلى اليوم في أسفل وادي حضرموت، أي: من منطقة الغرف حتى قبر نبي الله هود، وتميم ترقق الألفاظ فيقولون الريال أي: الرجال بلغة قريش، ويقولون ياء أي بمعنى قَدم وقريش تقول جاء، ويقولون الدياي وقريش تقول الدجاج وهكذا. وأرى أن كلا الكلمتين أي النيد أو النجد صحيحة. وهناك أبحاث عديدة أنجزت لتثبت هذه الحقيقة". ص10
وقبل أن يشرع مؤلف الرحلة في تقديم القف تناول أولا تفاصيل الطريق السالكة من عقبة قتبة المطلة على تريم إلى منطقة جباءن في الماضي والوقت الحاضر، مروراً بالحصون القديمة. وذكر أنّ الطريق تبدأ برأس الجعيبوره ، ثم خليف دمون ثم موقع يقال له كلوب. وبعد ذلك يأتيك أول كريف يسمى كريف النجر، ويمسى اليوم كريف آل جعدان، وقد بني إلى جانبه مسجد وغرف للمارة شُيّدَت حديثا جزى الله من عملها خير الجزاء. بعد ذلك يبدأ رأس الجوين وبه سيح مفتوح يسمى سيح آل جعبان، ثم تدخل إلى الجوين وهي أرض آل عبد الباقي. وأول حصن يقابلك هو حصن آل جعبان، ويقع في تلة مرتفعة تسمى قارة أم اللبن وإلى جانبها نخيل. والحصن الثاني هو حصن آل النمر ويقع بين الجوين والخنخان وهم من آل عبد الباقي. والحصن الثالث في الجوين: حصن آل عموري، وإلى جانبه نخيل وعلوب وهو في منطقة الجوين. وهنا ينتهي الجوين وتدخل وادي يسمى مرافز، وأول حصن يقابلك فيه هو الحصن الرابع ويسمى حصن آل قلط، ويقع في وادي يسمى حمى قلط وبه كريف للماء أنشئ حديثا أسفل ذلك الحصن.
وموقع حصن آل قلط، الذي يشرف على الوادي، استراتيجي، وهو حصن دفاعي وبه مشارف للرماية. وقد صعدت إلى أعلاه. وآل قلط هؤلاء هم فخيذتي التي أنتمي إليها وقد قال الشاعر عن ذلك الحصن: ( يا حصن بن قلط فوق الحمى بادي .. تضرب الركب لي قبل بين مضماه والوادي". ومضماه: وادي يقع مقابل الحمى قلط.
ثم يأتي الحصن الخامس في مرافز، وهو حصن شاغي النقيطي، ويسمى حصن آل عساله وبه أرض زراعية وعلوب [أشجار السدر]. والحصن السادس حصن أم الأصبع ويسمى حصن آل هيثم، وهو من أعمال الجوين، وإلى جانبه بنيت غرف وحمامات حديثة وحوله سور. والحصن السابع حصن آل خويم، ويقع في منطقة يقال لها الفرعه ويقع في وادي جبا وبه أرض زراعية تسمى الفرعه. والحصن الثامن حصن آل عموري، وهو في الفرعه من وادي جبا وبه أرض زراعية. والحصن التاسع حصن قصاف، وهم من آل عبد الباقي وتحته أرض زراعية وهي ذبر فقط. والحصن العاشر حصن آل ضروس، وتحته ذبر زراعي وعلوب. والحصن الحادي عشر حصن آل عساله، ويطل على أم الملح المطل على جباء وبه نخيل وعلوب، وقد بنى به ابن عمنا الشيخ سعيد البرك بن عساله العامري قصرًا حديثاً عامرًا بالماء والكهرباء والاتصالات، وهذا القصر مقصد للضيوف وهذا القصر بتنا فيه مع أفراد عائلتي، وبعض إخواني وكثير من الضيوف في إجازة عيد الفطر جعل الله ذلك في ميزان حسناتهم.
والحصن الثاني عشر حصن آل جعبان، ويشرف أيضا على وادي جباء. والحصن الثالث عشر حصن آل سعيد بن على بن نبيل، ويشرف على أم الملح ووادي جباء. والحصن الرابع عشر حصن آل عموري ويقع في منطقة يقال لها المخينوقة وهو خارج جِباء ويقع في ضمر حلوف وبه أرض زراعية. والحصن الخامس عشر حصن آل قلط، وهو الحصن الثاني لهم ويقع في حلوف، ويقع في وادي يقال له الضواد، وبه كريف ماء وبه أرض زراعية وعلوب، ويسكنه كثير من أصحاب النحل؛ لكثرة أشجاره، ووجود كريف الماء ويسمى كريف الضواد. والحصن السادس عشر حصن آل جعبان، ويقع في منطقة يقال لها النخلة، وبه زراعة ونخيل، وتسمى أرض آل جعبان ويقع في وادي جباء. ثم نصل إلى وادي يقال له وادي جزلاه، ويقع فيها الحصن السابع عشر، ويسمى حصن آل سالم، وهم من آل عبد الباقي. والحصن الثامن عشر حصن آل دومان، ويقع خارج جبا في وادي يسمى كهيف، وهو تصغير كهف. وبعد ذلك وصلنا إلى واد يقال له برص، وهذا الوادي به أرض زراعية ونخيل وعلوب ومقبرة كبيرة مسورة، بها مكان معد لتغسيل الموتى. فجزى الله من سورها ورتب أماكن التغسيل للموتى خير الجزاء.
وطبعا الطرق بين هذه الحصون والوديان ليست معبدة ولا ممهدة، وهي سالكة للجمال والسيارات، وتجد متعة وأنت تتنقل بين جنباتها، حيث الأشجار والشجيرات".
يتبع (2/3)