السودان.. طيبة القلوب ومرارة الأحداث
بقلم (الأول) أحلام القبيلي:
لا أنسى أستاذتي السودانية في الصف الثالث الابتدائي، تلك المرأة التي كانت مثالاً للرقة والرحمة وطيب المعشر.
كانت حصتها بالنسبة لنا متنفساً جميلاً، وكلماتها العذبة تسبقها ابتسامتها المشرقة. لم تكن مجرد معلمة، بل كانت أماً ثانية،
تحنو علينا بحبٍ صادق، حتى أننا كنا ننتظر حصتها بشوق، ونجتهد في مادتها حباً فيها واحتراماً لها.
هذه الصورة العالقة في ذاكرتي ليست صورة فردية، بل هي انعكاس لجوهر الشعب السوداني المعروف بكرمه، ودماثة خلقه، وبساطة روحه، وحب الخير للآخرين. فمن يعرف السودانيين عن قرب يدرك أنهم من أطيب شعوب الأرض، قلوبهم صافية، وألسنتهم صادقة، ووجوههم مضيافة.
لكن حين سمعت عن الجرائم المروعة التي عصفت بالسودان في السنوات الأخيرة، شعرت بدهشة وألم.
كيف يمكن أن يحدث كل هذا في أرضٍ أهلها بهذا النقاء؟
كيف يمكن أن تُرتكب جرائم بشعة، وعلى رأسها جريمة الاغتصاب، التي تمزق إنسانية الإنسان قبل جسده، في مجتمعٍ تربى على العفة وصون الكرامة؟
إن ما جرى هناك، بلا شك، لا يشبه السودانيين ولا يعكس أخلاقهم.
من ارتكب هذه الأفعال الوحشية لا يمكن أن يكون قد تربى بين هؤلاء الطيبين أو نهل من أخلاقهم. فالشعب السوداني، الذي عرفت منه أستاذتي، لا يعرف إلا الاحترام، ولا يمد يده إلا بالخير، ولا يقترب من عرض إلا ليصونه.
السودان اليوم يمر بجراح عميقة، لكنه سيبقى في جوهره بلداً عظيماً بأهله، وسيعود كما كان، لأن الطيبة لا تموت، والأخلاق لا تنكسر مهما اشتدت العواصف.
