من التخطيط إلى العشوائية والفساد

مسعود عمشوش

 

غالبا ما تكون العشوائية وغياب التخطيط أو التخطيط السيئ أحد الأسباب الرئيسة لإخفاقات كثير من الوزارات والمؤسسات والهيئات والإدارات. لهذا تحرص المؤسسات عادةً على إعداد خطة عمل سنوية يتم إعدادها ومناقشتها وإقرارها قبل بداية كل عام.

من أبرز فوائد الخطة السنوية: تحديد الأهداف والأنشطة التي تنوي المؤسسة تنفيذها خلال السنة وتوفير إرشادات واضحة للمنفذين، مما يحسن الأداء، تحدد الاتجاه العام للمؤسسة، وتوضح ما يجب تحقيقه وكيفية تحقيقه، مما يزيل الغموض بشأن المهام المطلوبة.

وتضمن الخطة السنوية تحسين استخدام الموارد وترشيد الميزانيات والموارد بشكل فعال في تحقيق الأهداف المحددة، مع تطبيق مبدأ المساءلة والمحاسبة، للتخفيف من مخاطر التسيب والإهمال؛ فالخطة السنوية خريطة طريق لتجنب العشوائية وضمان تظافر جهود الجميع لتحقيق رؤية مشتركة، سواء في سياق العمل أو الأهداف المؤسسية والشخصية. 

والخطة السنوية تجعل نشاط المؤسسة قابل للقياس والتقييم الموضوعي فهي توفر معيارًا لتقييم الأداء وقياس النجاح في نهاية العام، مما يساعد على تحديد مدى تحقيق الأهداف. ففي نهاية العام يتم رفع تقرير عن مستوى تنفيذ الخطة السنوية، ويشمل هذا التقرير جانبا ماليا يبين إجمالي الإيرادات والصرفيات.

لهذا فالخطة السنوية تخفف المخاطر وتساعد في التنبؤ بالمخاطر المحتملة في المستقبل ووضع معالجات للتخفيف منها بشكل استباقي وتساعد على تجنب العشوائية والارتجال، وتنظيم الأنشطة والمهام بشكل منطقي خلال العام.

وقبل عام 1990 كانت جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية في بلادنا ملزمة بوضع خطط سنوية تبرز فيها جميع جوانب أنشطة الوزارة أو الهيئة بما في ذلك الجوانب المالية، الكبيرة والصغيرة. وكما ذكرنا عادة ما تخضع الخطة السنوية للإقرار والمتابعة من قبل المجالس الداخلية. ويقوم الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بمراجعتها والتأكد من تنفيذها. ومساءلة ومحاسبة المقصرين. وبشكل صارم.

لكن من المؤكد أن العمل بالخطط السنوية في بلادنا بدأ يأخذ طابعا شكليا منذ سنة 1990، إذ سعى علي عبد الله صالح إلى جذب أكبر عدد من الوصوليين والانتهازيين ومكنهم من ممارسة الفساد والسطو على المال العام؛ وبفضل ذلك برز في مجتمعنا عدد كبير من الأثرياء الذين لم يكتفوا بشراء السيارات الفارهة والفلل والشقق في الداخل وفي القاهرة. وحي الفيصل خير شاهد على ذلك. ومن المؤسف أننا لا نزال غارقين في هذه الدوامة.

وإضافة إلى الخطة السنوية تحرص معظم المؤسسات والهيئات والوزارات على وضع خطة استراتيجية شاملة تتضمن برامج عملها طويلة المدى وقصيرة المدى، وتحدد رسالتها ورؤيتها، وأهدافها والإجراءات اللازمة لتحقيقها، وكذلك تحليلا دقيقا لواقعها الراهن، ونقاط قوتها ونقاط ضعفها وآفاق تطورها.

ويمكن اعتبار الخطة السنوية بمثابة خطة تنفيذية للخطة الاستراتيجية تمتد على مدى 12 شهرا فقط، بينما يمكن أن يمتد مدى الخطة الاستراتيجية لخمس سنوات أو عشر سنوات، مع إمكانية إخضاعها للمراجعة الدورية. وهذا ما سنتناوله في المقالة القادمة.