احتمالات الحرب الروسية الأوروبية

يوم الأربعاء الماضي، قال الكرملين إن أوروبا تستعد لحرب ضد روسيا. الأسئلة التي تفترض أن تشغلنا جميعاً هي: ما مدى صحة الاعتقاد الروسي، وإذا حدث ذلك، فما موقف الولايات المتحدة وبقية القوى الدولية والإقليمية الفاعلة، وبخاصة الصين؟

قبل الإجابة، نبدأ أولاً بالمعلومات، حيث إن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، قال إن موسكو ترى أن «الدول الأوروبية تستعد للحرب ضد روسيا، وهناك توجهات عسكرية قوية جداً في الدول الأوروبية، وهو ما نرصده في الواقع».

هذا ما قاله بيسكوف، وهو تصريح خطير جداً، لأنه يأتي في وقت تشهد العلاقات الروسية الأوروبية المزيد من التوتر، بسبب زيادة الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا، الأمر الذي يطيل من أمد الحرب، وهو ما لا تتمناه موسكو.

نعود ونسأل، هل أوروبا جادة فعلاً في الحرب ضد روسيا، أم أن تصريحات بيسكوف مجرد تحذيرات شديدة من نتائج هذه الحرب، خصوصاً أنه في نفس اليوم كان من اللافت إشارته إلى خطورة الحديث عن الأسلحة النووية، ناهيك عن استخدامها في أي حرب، رغم أنه قال إنها مهمة لمنع نشوب الحرب.

في الإجابة عن السؤال الذي بدأنا به، يمكن القول إن التصريحات الروسية كانت استباقية، حيث جرى الحديث قبلها بساعات عن تعليق أوكرانيا للمحادثات مع روسيا لـ«عدم جديتها»، وفي نفس اليوم، كان لافتاً قول وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن بلاده ترى أن موسكو غير جادة في الحديث عن السلام في أوكرانيا، لأنه لا توجد أفعال على الأرض تؤيد ذلك.

وما يزيد من فرضية هذا الأمر، أن روسيا، وعقب التصريحات الأوكرانية والأميركية، سارعت للإعلان بأنها مستعدة لاستئناف محادثات السلام مع أوكرانيا في إسطنبول التركية.

المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، وصفت التقارير التي تقول إن كييف علقت المفاوضات مع روسيا، بأنها تشير إلى عدم وجود التزام من أوكرانيا بالسلام.

المعروف أن هناك ثلاث جولات مفاوضات تمت بين البلدين في إسطنبول، في مايو ويونيو الماضيين، ثم جولة ثالثة من المفاوضات المباشرة في نفس المدنية في 23 يوليو الماضي. لكن تلك الجولات لم تسفر عن اختراق جوهري، بل مجرد تبادل أسرى وجثث، وتبادل مذكرات تفاهم بشأن إمكانية تسوية الصراع.

في ظني أن العامل الأميركي هو الأساسي والمؤثر في الأزمة الأوكرانية حتى الآن. والمؤكد أن أحد أسعد الأخبار بالنسبة لروسيا، كان عودة الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض.

ورغم انتقادات ترامب الأخيرة لروسيا، إلا أنه استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصورة شديدة الدفء والحميمية في آلاسكا قبل أسابيع، وهو دائم الإشادة به، في حين أنه يكثر من انتقاد الرئيس الأوكراني زيلنسكي، ويطالبه بتقديم تنازلات لروسيا، خلافاً لموقف الإدارة الديمقراطية السابقة، بقيادة جو بايدن، التي دعمت كييف بلا حدود، مالياً وعسكرياً وسياسياً، في حين أن ترامب ألزم كييف بدفع ثمن كل ما تلقته من دعم أميركي. كما أن ترامب رفض، حتى الآن، تزويد أوكرانيا بصوارخ توما هوك، القادرة على ضرب العمق الروسي. وحتى الأسلحة التي قدمها مؤخراً، كانت مدفوعة الثمن من جانب الأوروبيين.

النقطة الجوهرية في الإجابة عن السؤال، هي أن أوروبا لا تستطيع بمفردها مواجهة روسيا عسكرياً، من دون دعم أميركي صريح وواضح وقوي. ويفترض أن أوروبا القوية المستقرة، هي حائط الصد الأميركي ضد أي توغل روسي أو صيني، لكن ترامب نسف العديد من قواعد الأمن القومي التقليدية، ووجّه انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي، وكذلك لحلف الناتو، وطالب كل الحلفاء بضرورة تحمل فاتورة الحماية الأميركية، وكل ذلك صب في مصلحة روسيا، التي تنفست الصعداء.

البعض يرى أن طريقة تفكير ترامب قد تميل إلى ترك أوروبا وروسيا يستنزفان بعضهما البعض، بما قد يستنزف الطرفين معاً، وبالتالي، يصب ذلك في صالح أميركا، لكن هذا الرهان قد يشكل مغامرة كبرى، قد تقود إلى زلزال عالمي، خصوصاً إذا انضمت الصين فعلياً لروسيا.

ما تريده روسيا أن تضغط أميركا على أوكرانيا لتقبل بالأمر الواقع، وما تريده أوروبا عودة الأوضاع إلى ما قبل 24 فبراير 2022، وما تريده أميركا أن يتم استنزاف كل من روسيا وأوروبا، وربما يكون ذلك مصلحة صينية أيضاً، حتى لو لم يتم الإفصاح عنه.

في تقديري أن فرص نشوب حرب روسية أوروبية قليلة، لكنها ليست مستبعدة تماماً، وهذه الحرب قد تحدث في حالات معينة، منها أولاً زيادة الدعم الأوروبي النوعي لأوكرانيا، والثاني ما يدور في عقل ترامب وكبار مستشاريه، وهو الأمر الذي لا يمكن التنبؤ به؟