حضرموت وقيم الدولة مرة أخرى

تحتاج حضرموت قبل ، وأكثر من أي شيء آخر ، إلى تذكيرها بأنها حضرموت التي تميزت دائمًا بتمسكها بقيم الدولة ، وبميراث حضاري أخذ يتجدد في صورة بنى مدنية تغالب كل محاولة للنفاذ من الشقوق التي خلفتها صراعات ما قبل حضرموت الحديثة حينما غدت الرئة التي يتنفس منها اليمن هواء وطن غير ملوث بدخان الصراعات.
تحتاج إلى رج وجدانها بقوة الحقيقة التي تقول بأن المسافة ، التي أبعدتها عن مكانتها المميزة في معادلة بناء الوطن القوي المتماسك ، وفي التصدي للتحديات التي تواجه اليمن على طريق العودة إلى مسارات هذا البناء ، صارت تتزايد بمتوالية هندسية ، أخذت تبتعد بها عن المكانة التي رتبها تاريخ طويل من كفاح أبنائها في معادلة بناء الوطن.
جرى ذلك منذ أن بدأت تتخلص بالتدريج من الدولة وتسلم زمام أمرها لمكونات ما قبل الدولة ،والتي وإن بدا أنها كانت تسعى إلى خلق معادلة تتخطى بها الأزمة السياسية البنيوية التي حلت بها كانعكاس
للأزمة التي حلت باليمن عمومًا ، إلا أنها ، ربما من دون أن تشعر ، وضعت نفسها في مواجهة مع قيم الدولة التي لا يمكن لحضرموت أن تتخلى عنها بمثل تلك الطريقة التي فكر فيها البعض كرد فعل لما واجهته المحافظة من تعقيدات ومشاكل واضطرابات ادارية.
بسبب ذلك باتت تتعثر بأصغر مشكلة لا يتطلب حلها أكثر من استدعاء ميراث الدولة الذي لطالما ضُرب به المثل منذ ما قبل الاستقلال الذي كانت حضرموت أحد روافعه القوية . وبعد الاستقلال حينما اتخذت نموذجًا ناجحًا للحكم المحلي الذي كان يقوم على انتخاب مباشر لقيادة المحافظة في شكل المجالس المحلية في المحافظة والمديريات بصلاحيات إدارية ومالية واسعة ، أقرب ما يكون إلى الحكم الذاتي . وهو النموذج الذي طُبق بعد ذلك على بقية المحافظات حتى الوحدة عام ١٩٩٠ .
حضرموت يجب أن تعود إلى سابق عهدها في علاقتها بقيم الدولة ، وبميراثها الحضاري الذي جعلها دائمًا محطة للتفكير وتدبر أمر الخروج من دائرة الاشتباك مع التحديات التي كانت تقذف بها الحياة في وجه الدولة . ذلك هو الضمان الذي يعوّل عليه في المضي في طريق الاصلاحات التي من شأنها أن تؤسس قواعد انطلاق صلبة لهزيمة المشروع الحوثي- الإيراني الذي أدخل اليمن في مأزق بات يهدده وجوديًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.