الجنوب في معادلات الإقليم!

الجنوب في معادلات الإقليم: بين حسابات الرياض وتداعيات المشهد اليمني.. قراءة هادئة في لحظة مفصلية
تشهد الساحة الجنوبية حراكًا سياسيًا متسارعًا يعيد فتح الباب أمام نقاشات واسعة وتفاعلات متشابكة، تتقاطع فيها مواقف متعددة وتقديرات مختلفة في لحظة إقليمية تشهد إعادة رسم موازين القوى وتحديد أولويات الفاعلين في المنطقة. فالقضية الجنوبية تتحرك اليوم ضمن بيئة معقّدة، تتداخل فيها المصالح الإقليمية وتتباين الحسابات بصورة تعكس حساسية المشهد الراهن وطبيعته المتغيرة.
فالتحولات التي تشهدها المنطقة الخليجية لا تبدو تسويات نهائية، بقدر ما تمثل إعادة ترتيب للأولويات وإدارة أكثر حذرًا لبؤر التوتر، بما يسمح بمقاربات سياسية واقعية تجاه ملفات المنطقة واليمن على نحو خاص. وفي هذا الإطار تتعامل الرياض مع الملف الجنوبي بقدر عالٍ من الحذر، إدراكًا لتشابك أبعاده الداخلية والإقليمية، دون أن يعني ذلك إغلاقًا لأي خيار محتمل في مستقبل المشهد السياسي.
وفي سياق متصل، تبرز حالة من التناغم غير المعلن بين بعض جماعات الإسلام السياسي، رغم اختلاف خلفياتها الفكرية، استنادًا إلى قراءة مشتركة لدور السعودية في اليمن. هذا التقارب يقوم على مسارين رئيسيين: محاولة إرباك الدور السعودي أو الحد من تأثيره، ومنع الجنوب من استعادة دولته، أو إبقاء هذا المسار خارج نطاق التحقق الرسمي لأطول فترة ممكنة. ويظهر هذا التلاقي في مواقف تتقاطع أحيانًا رغم تباين المرجعيات والعداءات التقليدية بين هذه الأطراف.
وفي موازاة ذلك، تعمل بعض القوى على توظيف مصطلح “تقسيم اليمن” كأداة ضغط سياسية، رغم أن الوعي العربي بات أكثر إدراكًا لتعقيدات التجربة اليمنية، وما رافقها من صراعات وإقصاء منذ حرب 1994 وما قبلها. ومع ذلك، يظل المصطلح حاضرًا في الخطابات الإعلامية والسياسية كعامل إثارة أو كأداة لتأجيل خيارات واقعية تتطلب نقاشًا عميقًا ومسؤولًا.
ومن زاوية أخرى، فإن أي توجه دولي أو إقليمي جاد لدعم مسار استعادة الدولة الجنوبية سيقتضي ترتيبات موازية لضبط استقرار اليمن وتعزيز الأمن الإقليمي، ذلك أن قيام دولة جنوبية مستقرة لا يمثل فقط استحقاقًا سياسيًا لأبناء الجنوب، بل يشكل أيضًا عامل توازن مهمًا للأمن الإقليمي واستقرار اليمن شمالًا وجنوبًا. أما إهمال هذا المسار فقد يؤدي إلى نتائج معاكسة تعمّق الاختلالات القائمة وتزيد من هشاشة الوضع العام.
وعلى ضوء هذه التعقيدات، تبدو أهمية أن تعزز القوى الجنوبية تماسكها الداخلي، وأن توسّع دائرة تواصلها مع دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وأن تبني خطابًا سياسيًا رصينًا يبعث على الاطمئنان. كما يتعيّن عليها تجنب الاستعجال في النتائج، والتعامل بوعي مع تعقيدات المرحلة، بحيث يُقدَّم مشروع الدولة الجنوبية كجزء من الحل وليس كعامل يزيد من تعقيد المشهد.