حضرموت.. (هندسة الأوضاع) خيارات متاحة لأهداف استراتيجية
لم تعد المعالجات التكتيكية، السياسية أو العسكرية، مجدية. في تقديري، كقارئٍ سياسي لسير الأحداث في حضرموت ونتائجها الأخيرة، والمتمثّلة في سيطرة قوات الانتقالي الجنوبي على وادي وصحراء حضرموت، ببعض تلك القوى التي جرى تهيئتها غرب المكلا، مثل لواء بارشيد، وما أُطلق عليه الأمن السريع في مواقع متفرقة شرقها وشمال الهضبة منذ سنوات.
هذه القوى، المسلحة جيدًا والمدعومة من الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، تطرح سؤالًا جوهريًا: هل جرى ترتيب وجودها لاستعادة دولة الجنوب، أم للسيطرة على إقليم حضرموت للمساومة به في أي تسويات قادمة؟
في تقديري، قد تبدو تلك هي الأهداف في بعض القراءات السطحية لكتّاب ومحللين في بعض الفضائيات، أو قد تكون للتعمية على تنفيذ مشاريع صعبة للسيطرة على بحر العرب ومضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، إن لم يكن عليه، وبالتعاون مع إسرائيل. وإلا كيف نفسّر ما حدث ويحدث في السودان بعد اشتعال الأزمة اليمنية؟
قد يرى البعض فيما ذكرتُ أعلاه شيئًا من الخيال، أو ردة فعل عاطفية على تلك الاندفاعة ضد أبناء محافظة حضرموت وإصرارهم على حقهم في حكمٍ محلي، وهو مطلب مشروع، ويأتي في إطار ما أُقرّ في مخرجات الحوار الوطني، التي منحت محافظات الأقاليم مسمى «ولايات» تتمتع بإدارات محلية ضمن حكومة الإقليم.
أنا هنا لا أجد فيما يحدث في حضرموت ما يمكن توظيفه في تقاسم نفوذ بقدر ما أراه استخدامًا في صراع إقليمي لتحقيق أهداف دولية، لم تعد مقتصرة على صراع «الأنكلوسكسون»، أو بوضوح أكثر: الأنغلو-أمريكي، لإعادة رسم خرائط وخطوط جديدة في البحار، بديلة لـ«خط في الرمال» البريطاني-الفرنسي، بحسب د. جيمس بار، شمال الجزيرة العربية بعد الحرب العالمية الأولى، والذي تلاشى بعد الحرب العالمية الثانية.
لا أذكر ذلك من باب الترف المعرفي بتاريخ الصراع بين القوى الكبرى في الماضي، بل للتذكير به والتنبيه إلى أهدافه، ونحن على أبواب مرحلة عربية وشرق أوسطية استكملت فيها المملكة العربية السعودية استعداداتها لقيادتها، رغم حجم التحديات البادية، ومنها أحداث حضرموت، والمستترة، والتي تتطلب، بلا شك، التفكير في مواجهتها بحضرموت لا كورقة، بل كقضية، وبوحدة سياسية استراتيجية لإقليم حضرموت، لا المحافظة.
حضرموت الإقليم، بمحافظاته الأربع، ليس مجرد قوة جغرافية، بل قوة اقتصادية وديمغرافية قادرة على تغيير مسارات الأزمة اليمنية، وتحجيم بعض أطرافها، وبالتالي توظيفها في عملية استراتيجية.
قد يقول البعض أيضًا: إنك تتخيل قضايا لا وجود لها، وتقترح حلولًا دون أخذ واقع إقليم حضرموت المرير ودوره فيما آلت إليه أوضاع كل محافظة من محافظاته.
وأجد نفسي أمام حقائق صعبة، لكن رهاني على القوى الحيّة في تلك المحافظات، وهي موجودة، لكنها غير قابلة للاستئجار. وعليه، أطالب ما تبقى من «الدولة اليمنية» بالمبادرة إلى تنظيم مؤتمر عام لتشكيل قيادة سياسية واجتماعية، أو حتى هيئة تنسيق تفضي إلى قيادة سياسية–اجتماعية، تعيد هندسة العملية السياسية، بل والعسكرية، لأهداف قد تبدو صعبة، لكنها متاحة، لقطع الطريق على الخطوط المائية.
