13 يناير والتصالح والتسامح

13 يناير ما بين ذكرى مشؤومة في 86م، مزقت الجنوب الى أشلاء مناطقية، وبعد ان استنزف الرفاق كل التصنيفات الايدلوجيا في اتهام الاخر، ابتكروا (زمرة وطغمة)، وما بين التصالح والتسامح الذي أطلق 2008م باسم الجنوب في نفس الذكرى، لهدف محو المأساة، ويبقى السؤال هل تم محو المأساة؟

التصالح والتسامح هي ثقافة، تتشكل من تجارب مريرة، بعد ان يلدغ الناس من شر العنف والصراع، واقتتال الاخوة في وطن، بعد ان تسفك الدماء وتنتهك الاعراض، ويتناوب الخصوم بين منتصر باغي ومهزوم مظلوم، في دراما من العنف العبثي المدمر للقيم والاخلاقيات والمبادئ، وينهك المجتمعات وتسقط بذلك الأمم والأوطان.

التصالح والتسامح ثقافة تتجاوز ثقافة الثأر والانتقام، وتنتصر على الذات الخبيثة، لتبرز الذات الوديعة، المتسامحة و المتصالحة مع الأخر، القادرة على رسم مسار المستقبل المفروش بالحب والود والشراكة، متجاوزة الماضي بكل علله وتراكماته، وهذا ما يستدعي وعي مجتمعي، واعي يدرك ان الوطن يستوعب الجميع، بمبدأ الشراكة على السلطة والتوزيع العادل للثروة.

التصالح والتسامح حالة من رقي المجتمعات والافراد، عندما يتنازلون لبعضهم بعض، من اجل مصلحة عامة، ومستقبل وطن وقضية امة، وهذا الرقي في الوعي لن تجده إلا فيمن يضع البندقية جانبا ويفتح حوار جاد مع كل أطراف الصراع القديم الجديد، لتكن الثوابت الوطنية والإنسانية والأخلاقية هي أساس هذا الحوار، تلك الثوابت التي يتفق فيها على رفض العقلية الاقصائية، وتقبل الاخر كما هو لا كما يراد له ان يكون، ورفض العنف في حسم قضايا الخلاف.

تعشم الناس خيرا بفكرة التصالح والتسامح، واتضح انها لم تكن نابعة من وعي، بل كانت عاطفية، تلك العاطفة التي حركت مخاض ما بعدها، حينما اعلن عن اجتثاث مكون سياسي تحت مبرر الإرهاب، و من حينها تحولت مظلة الإرهاب شماعة للعنف ضد الاخر المختلف، وظهرت التصنيفات الإرهابية، مما أتاح لخلط الأوراق ما بين الإرهاب والترهيب، وشهدنا إرهابا وترهيبا، جعل من البندقية اداءة حسم وتمكين، ومن يتلقى الدعم العسكري والمالي هو القادر على الحسم وعلى التمكين، دعم شكل مكونات العنف و أداوت الحسم، واطلق صيحات النفير، وتوحشت تلك الصياحات المدعومة، لطرد شركائهم من الوطن، واقصائهم من أي عملية سياسية، وعادت 13 يناير المشؤومة تلوح في الأفق بكل قذارتها، بسيادة عقلية العنف، وتربع المشهد اصنام العنف، وانتشرت مظاهر العنف، وخطاب صيحات العنف والنفير، لتتحرك كتائب بوحشية تستأصل الاخر و وتجرف الواقع من كل شريك وشراكة، والنتيجة واقعنا اليوم، واقع غير قابل للأخر، في وطن معظم أبنائه مهجرين او مخفين قسرا يرزحون في السجون، و البقية مقصين ومهمشين، لتحكمنا البندقية، في واقع عسكرة القبيلة والمنطقة والطائفة والمذهب، لتتشكل قوى التناحر، ويسود حكم الغلبة، ويفرض امر واقع تحت مظلته وفوهة بندقيته يتم (الحوار والاختيار والتوافق والاصطفاف وكل ما يتعلق بالوطن والمستقبل) ليكن الاخر تابع مهان، انها 13يناير المشؤومة التي لم تغادر العقلية الاقصائية ولا ثقافة الغلبة والعنف والنفير.