من يدير الملف الأمني في عدن؟
قال لي غاضباً وبعصبية شديدة: حتى متى تظلون تتسترون على الفضائح الأمنية التي تشهدها عدن منذ أن سيطرتم على الوضع فيها؟ لكنني أمسكت أعصابي وحاولت أن أتحدث إليه بهدوء وأن أخفف من عصبيته لنخوض نقاشاً مسؤولاً يقودنا إلى الحقيقة.
كتب / د.عيدروس نصر ناصر النقيب:
فقلت له: على مهلك يا أخي وافصح لي عمَّ تتحدث، فأنا أولاً لست مسؤولاً ولا شريكاً في إدارة عدن وتبعاً لذلك لست معنياً مباشرةً بإدارة الملف الأمني لكن استتباب الأمن يعنيني على الأقل كمواطن قبل أي اعتبار آخر؟
قال وقد بدأ يستعيد بعض هدوئه: ما أقصده أنتم كمجلس انتقالي، ولست أنت شخصياً.
فأجبته: أنا لست قيادياً ولا حتى مسؤولاً في المجلس الانتقالي وإن كنت لا أتردد في إعلان تأييدي للمجلس كقيادة جنوبية معبرة عن تطلعات الشعب الجنوبي، ومع ذلك دعنا من الخلفيات وحدثني عما يغضبك مباشرةً حتى نصل إلى مشتركات تكشف لنا الصورة الحقيقية لما تتحدث عنه.
وهكذا شرع يحدثني عن قضايا يعود بعضها لسنوات، مثل حوادث الاغتيالات والتفجيرات وبعضها استهدفت قادة عسكريين وأمنيين ومقرات أمنية وعسكرية ناهيك عن الضحايا المدنيين، وبعضها قيل أنه تم القبض على منفذيها ومع ذلك لم يكشف عن مصير هؤلاء المقبوض عليهم ولا عن تفاصيل تلك الجرائم، ولم يفتهُ التعرض لما قال أنها عمليات سطو على ألأراضي الخاصة والمسجلة بأسماء مواطنين ومستثمرين من قبل بعض القادة الأمنيين باستخدام القوة مستغلين السلطات التي يتمتعون بها.
وحدثني عن القائد الذي قيل إنه اقتحم منزل أحد نواب الوزراء بدون سبب واضطرت السلطات إلى التحكيم القبلي وتعويض هذا النائب مليارات يفترض أنها من أموال الدولة ، ومع ذلك احتفظ هذا القائد بمنصبه وتمت ترقيته إلى مستوى أعلى، كما حدثني عن معركة الشيخ عثمان قبل سنتين، بين قائدين عسكريين من الأحزمة الأمنية راح ضحيتها عدد من الجنود من الفريقين، والسبب كما قال التنازع على الأموال التي تتم جبايتها من المواطنين البسطاء، وأعاد تذكيري بحادثة كريتر وذلك القائد الذي تسبب في إزهاق الأرواح وإثارة الرعب بين الأهالي، وتم تهريبه إلى الخارج دونما محاسبة وكل التبريرات السخيفة التي سُوِّقَت حول جريمته بأنه ليس جنوبياً.
وراح صاحبي يحدثني عن ثلاث حوادث تتالت في الأسبوع الأخير فقط، وهي مواجهة الشيخ عثمان الثانية، وحادثة اعتداء مدير أمن التواهي على بائع الهواتف النقالة، وحادثة منع فريق نادي التلال لكرة القدم من التدريب في مقره بحجة الحفاظ على أمن قصر المعاشيق، واختتم صاحبي سردياته الغاضبة بالتساؤل الاستنكاري:
- بالله عليك هل هذا يدل على سلوك رجال دولة؟
- هل أمثال هؤلاء يمكن أن يؤتَمَنوا على أرواح الناس وأملاكهم وأعراضهم؟
- ماذا كان سيضر قيادة المجلس الانتقالي والقيادة الأمنية لو قدمت أمثال هؤلاء لمحاكمة عسكرية تقضي بمعاقبتهم وفقا للقانون وأقل عقوبة يستحقونها جميعاً هي الاستبعاد من الخدمة ودفع الجزاءات المناسبة لحجم الضرر الذي ألحقوه بالمجني عليهم؟
- ألن يكون ذلك عبرةً لأي مستهتر محتمل؟ وكان يمكن وقوف الجناة عند الجريمة الأولى؟
ثم اختتم تساؤلاته:
- ماذا لو حصلت مثل هذه الجرائم في زمن الشهيدين علي عنتر وصالح مصلح أو الفقيد محمد عبد الله البطاني؟
- ألن يكون مآل هؤلاء السجون حتى يقضوا فترة المحكومية دونما مجاملة أو مواربة حتى لو كانوا من أولاد هؤلاء القادة أو من أقربائهم؟
قلت لصاحبي: هل أنهيت حديثك؟ بيد إنه أجاب بأن الحديث لا نهاية له، لكن يكفي هذه الجرعة لهذه المرة.
وهنا قلت له:
في البدء أصدقك القول بأنني أشاطرك نفس الإحساس ونفس الاستياء ونفس التساؤلات حول كل الظواهر التي تحدثت عنها، رغم علمي بأن بعضها قد تم حلها من قبل قيادة المجلس الانتقالي والسلطة المحلية بعدن، وبعضها شملت عقوبة الإعفاء من المهمات أو النقل إلى مهمات أخرى بغض النظر عن رأيي في جدوى أو عدم جدوى هذه الحلول.
ثانياً: أعتقد أن بعض الظواهر والسلوكيات تعود أسبابها إلى محدودية تجربة المؤسسات الأمنية والعسكرية الجنوبية التي بدأت من الصفر بعد 2015م وبعض القيادات لم تتلقَّ التدريب المهني والنفسي، وحتى التربوي-الأخلاقي الكافي، ولذلك تقع في تلك الأخطاء التي بعضها يمكن وصفه بالجسيم.
قاطعني صاحبي وقال لي:
- ولماذا لم تتم الاستفادة من الكادر الجنوبي المجرب، الذي أدار دولة الجنوب على مدى ربع قرن، على الأقل كمستشارين ومدربين، مع العلم أن الآلاف منهم ما يزالون في عمر العطاء؟ وواصل:
- بالله عليك ما هو التدريب الذي يحتاجه القائد الأمني الذي يعتدي على بائع لأنه رفض يبيع له بضاعته بالتقسيط؟ هل كان لازم يدخل كلية ليتعلم فيها أن الاعتداء على أرواح وممتلكات الناس من قبل مسؤول أمني يعتبر جريمة جسيمة؟
قلت له: هذا ما كنت سأقوله في:
ثالثا: حيث بعض المسؤولين تم تعيينهم إما عن طريق المحسوبية أو بدون حتى توجيهات ولوائح تحدد لهم واجباتهم وحقوقهم، ويبدو أن تأثير ثقافة (النخيط) والاستكبار والاستعلاء وسوء استخدام السلطة، التي ورثناها من نظام 7/7 ما تزال عدواها تنتشر لتصل إلى أجهزتنا الجديدة التي يفترض أن قيامها جاء لتحرير الناس من تلك الثقافة لا لتكريسها.
وأخيراً، قلت له: دعني أشير إلى الحقائق التالية التي تعني القيادة التنفيذية والسياسية والأمنية لمحافظة عدن وهي تعني جميع قيادات المحافظات، وأعتقد أنها تنطبق في كل زمان ومكان وأهمها:
1. إن المهمة الرئيسية لأجهزة الأمن والدفاع هي الحفاظ على سيادة الوطن أولاً وعلى أرواح المواطنين وممتلكاتهم وحرياتهم وحقوقهم ثانياً، وبالتالي فإن أي تعرض لحقوق الناس وحرياتهم بل وأي تقصير في أداء المهمات من قبل أي قائد يجب أن تخضعه للمساءلة والمحاسبة والعقاب وفقاً لمبدأ الثواب والعقاب، فما بالنا بمن يُسَخِّر منصبه للتطاول على الناس أو انتهاك حقوقهم وكرامتهم وحرياتهم، حتى لو كان عن طريق الخطأ، ناهيك عمن يستخدم سلطته ووظيفته للأغراض الذاتية الصرفة؟
2. إن التعيين في المهمات القيادية، إدارية كانت أم أمنية أم دفاعية، ينبغي أن يخضع لشروط مهنية وأخلاقية وأخيراً وطنية صارمة، بعيداً عن أية اعتبارات لها صلة بالمحسوبية أو المحاباة أو القرابات والانتماءات المناطقية أو الجهوية، وبالتالي اختيار الأفضل كفاءةً وسلوكاً وإخلاصاً وإخضاعه لمعايير الخدمة ولمبدأ الثواب والعقاب، في حالتي النجاح والفشل.
3. إن الترقيات العشوائية بلا معايير وبلا تأهيل كافي، قد أوصلت الكثير من القادة إلى مواقع لا يمتلكون الكفاءة والقدرة على تحملها، وخلقت شعوراً لدى بعض القادة (الطارئين) بأنهم كفاءات نادرة لا يمكن الاستغناء عنها ولا حتى مساءلتها أو محاسبتها، وأنهم فوق القانون وأن لا رادع لما يرغبون في القيام به، ولهذا لاحظنا بروز ظاهرة ما يمكن تسميتها بـ"الطغاة الصغار" أو "الفراعين الصغار" الذين يمكن أن يغدوا في الغد غير البعيد طغاةً وفراعينَ كبارا.
4. إنه لا بد من القطع النهائي مع ثقافة 1994م المستوردة والغريبة على عدن والجنوب وتاريخهما الثقافي والمدني والحضاري العريق، والمقصود هنا البتر النهائي مع ثقافة التحكيم القبلي ونحر الثيران ودفع المليارات والأسلحة والأطقم وغيرها، والاحتكام بدلاً عن كل هذا إلى روح القانون الذي يضع الجاني والمجني عليه سواسية أمام القضاء العادل ولا فضل لرئيس على مرؤوس أو لقائد من منطقة على قائد من منطقة أخرى.
5. ومن هذا المنطلق فإن المسؤولية الجنائية هي مسؤولية فردية، وإن الجاني مهما كانت مكانته أو انتماؤه الجهوي أو المناطقي أو حتى مواقفه النضالية (إن كانت له مواقف كهذه أصلاً) يجب أن يحاسب على جنايته بصورة فردية وأن يدفع ثمن خطيئته الفردية من موارده الخاصة ومن حريته وحقوقه المعنوية والمادية لا أن يتطوع من ينوب عنه بدفع التعويضات ليشجعه على مواصلة الاستهتار والسلوك العدواني في حق الناس وتشجيع آخرين على اتباع نفس السلوك والمنهاج.
ومضى صاحبي بعد أن استعاد هدوءَه وتواعدنا أن نواصل الحديث في لقاءات قادمة، لكنه قال:
- ليت هذا الكلام قد تم تطبيقه على أرض الواقع لكنا قد استعدنا الدولة قبل سنوات.