أين مشروعك  

أين مشروعك   

(الأول)خاص.

كتب/ أبو زين الوليدي 

هل ترى هذا السيل الذي يملأ الوادي العريض وهو يتدفق بكل قوة، منطلقا إلى منتهاه؟ إن هذا السيل الكبير ماهو إلا اجتماع (نقط) صغيرة نزلت من السماء على الجبال والشعاب والسهول فاجتمعت من أماكن شتى لتصب جميعها في الوادي، مكونة هذا السيل العرمرم الذي يضيق عنه الوادي ليسقي مساحات شاسعة من الأرض.

 الأمة الإسلامية اليوم تعيش مرحلة من أصعب مراحلها، حيث الحرب على دينها وهويتها وأخلاقها وثرواتها وسيادتها وأبنائها وتراثها، مع غياب دولتها وانكسار رايتها وذهاب ريحها وتمزق شملها، فهي بحاجة إلى مشروع إنقاذ كبير من هذا الجرف الهار الذي توشك أن تسقط فيه .....  وحتما لن تسقط.
 هذا المشروع الكبير يشبه السيل الكبير، بمعنى أن المشروع الكبير ماهو إلا اجتماع مشاريع صغيرة، كأنها النقط الصغيرة التي تنزل من السماء، أو السواقي الصغيرة التي تغذي الوادي الكبير فتصنع هذا السيل العرمرم( مشروعنا الإسلامي الكبير). 
* قال عبقري العربية مصطفى صادق الرافعي رحمه الله : " إذا لم تزد على الحياة شيئا فأنت زائد عليها". 
* فهل تحب أن تكون زائدا على هذه الحياة كأنك(واو عمرو) لا دور لك ولا أثر ولا بصمة، تمر في الظل وتمشي تحت الحيطان، خاملا محايداً، تشبه البادين في الأعراب الذين يسألون عن أنباء أمة الإسلام؟!!!
* بعض الناس يضع لنفسه مشاريع كبيرة، من شدة ضخامتها تبدو هلامية غير مفهومة، وهو أحد أنواع الهروب من ميادين العمل، فما تحتاجه الأمة الإسلامية منك اليوم على المستوى الذاتي هو (المشاريع الصغيرة الممكنة). والتي هي أس المشاريع الكبيرة التي تقود إلى مشروعنا الإسلامي الكبير.
* ...................
* الشاب (محمد بن إسماعيل البخاري) وفي زمان حصل فيه ركود وخلافات سياسية كثيرة، قرر أن يطلق مشروعه ولا يشغل باله بما حوله من الفتن، فطاف الأرض مشارقها ومغاربها، وفحص ومحص وتعب واجتهد وصبر وصابر وثابر وضحى، حتى ترك للأمة الإسلامية البصمة التي لم ولن تستطيع أن تمحوها القرون وهي كتابه الخالد ( صحيح البخاري) والذي زالت دول وأمبراطوريات وهو محفوظ شامخ، يحفظه ويهتدي به المسلمون في كل مكان.... 
* ............
* مدرس الحلقة القرآنية في مدينة القيروان الشاب (عبد الله بن ياسين) وضع بصمته وكون مشروعه، فترك مدينته القيروان وخرج مع عدد من رجال قبيلتي (كتانة ولمتونة) حتى بلغ مصب نهر السنغال، وهناك وضع بذرة دولة المرابطين الكبيرة والتي حكمت مساحات شاسعة من بلاد المغرب الإسلامي، ونشرت العلم والسنة وأقامت الدين ثم أنقذت الأندلس من السقوط في يوم (الزلاقة) الخالد بقيادة الأمير يوسف بن تاشفين.
* ...........
* (عبد الحميد بن باديس) أسس مشروعه في الحفاظ على العروبة والإسلام في الجزائر في أسوأ مراحل الاحتلال الفرنسي،  فأعاد مع صاحبه الإبراهيمي وآخرين، الجزائر إلى العربية والإسلام.
* ...................
* مهندس الساعات الشاب الأرناؤوطي (محمد ناصر الدين الألباني) وبجهد ذاتي أسس مشروعه في تنقية السنة النبوية، ووضع بصمته في الحياة، حتى أنك لا تكاد تجد كتابا شرعياً إلا وترى فيه عبارة (صححه الألباني، ضعفه الألباني) وغادر الدنيا وقد ترك نتاجا علمياً كبيراً له دوره في مسيرة الدعوة الإسلامية المعاصرة.
* .....................
* الشيخ السوري (صالح أحمد الشامي) شق طريقه في مشروع خدمة السنة النبوية وقضى فيه عمره وأخرج للأمة(الوافي بما في الصحيحين للإمامين البخاري ومسلم، والجامع بين الصحيحين للإمامين البخاري ومسلم،وزوائد السنن على الصحيحين،وزوائد الموطأ والمسند على الكتب الستة، وزوائد السنن الكبرى للبيهقي على الكتب الستة، ومعالم السنة النبوية).
* ..............
* (يحيى اليحيى) قرر أن يدلي بدلوه ويقوم بدوره ويترك بصمته ويطلق مشروعه ويعذر إلى الله، فكان من ذلك مشروع حفظ السنة النبوية الذي جعل أبناء المسلمين في كثير الدول يتحمسون لحفظ السنة النبوية أطفالا وشبابا رجالا ونساء،  وجمع في ذلك الكتب التي تقرب هذا المشروع مبتدئاً بالصحيحين حتى وصل إلى المسانيد والمعاجم والأجزاء، وفشت فكرة حفظ السنة النبوية في كل مكان.
* .............
* الطبيب الكويتي(عبد الرحمن السميط) تخرج من كلية الطب وذهب إلى أفريقيا، وهناك أسس لمشروعه وترك بصمته، وأنقذ الله به ملايين من الناس، وغادر الدنيا ولا تزال آثاره خالدة.
* ...............
* الشاب الهندي (أحمد ديدات) وبجهد ذاتي أيضاً استطاع أن يضع بنيان مشروعه في مواجهة التنصير، ودعوة أهل الكتاب ومناظرات القساوسة، فدخل على يديه إلى الإسلام أعداد هائلة وغادر الدنيا وقد ترك بصمته ووضع الأرضية لمشاريع مشابهة، فهو بحق صاحب سنة حسنة.
* ........
* الشاب الهندي (ذاكر نايك) وريث أحمد ديدات، وحسنة من حسناته هاهو اليوم يجوب أقطار الأرض داعية إلى الله وقد أسس مشروعه الدعوي هذا بجهوده الذاتية ولا يزال حتى اللحظة مكافحا منافحا يرفع شعار (ياقومنا أجيبوا داعي الله) يبرز صلاحية الإسلام وصدق رسالته وزيف كل ما سواه من الرسالات المحرفة، وحيثما حل ترك آثاره وكأنه الغيث الذي تصبح به الأرض مخضرة.
* ........ 
* الشاب السعودي (أحمد السيد) لم يجلس يلعن الظلام ويسب الواقع ويشكو من صعوبة الوضع، بل أطلق مشروعه العلمي (البناء المنهجي) عبر منصات التواصل، والذي استفاد منه عشرات الآلاف من شباب الإسلام من الجنسين.
* ...........
* الشاب اليوتيوبر العبقري المصري (أحمد سبيع) وبجهود ذاتية، وبتعلم ذاتي أيضاً تعلم إلى جانب لغته العربية : اللغة الإنجليزية واللغة العبرية وعكف سنوات طوال على دراسة النصرانية واليهودية حتى أصبح - وهو المسلم الموحد-  من أعلم أهل الأرض بهاتين الديانتين، فأطلق مشروعه على اليوتيوب ليدخل الكثير من الشباب النصراني في مصر إلى الإسلام، واهتزت النصرانية وكنائسها وبابواتها في مصر من نشاط هذا الشاب وحاولوا وأد دعوته وإطفاء شمعته والوشاية به إلى السلطات ودخل السجن، وخرج من السجن ناصع الجبين، ولا يزال ماضياً في مشروعه تاركاً بصمته في كل محافظات مصر ومدنها وقراها وكفورها، ولا يزال شباب مصر النصراني يتدفق إلى الإسلام بسبب نشاط هذا الشاب على اليوتيوب. 
* .............
* ومثله الشاب (هيثم طلعت) في مواجهة الإلحاد والزندقة واللادينية والنسويات والأفكار الهدامة سواء في قناته على اليوتيوب أو من خلال كتبه الكثيرة النافعة في هذا المجال المهم والذي يعتبر من أهم واجبات الزمان.
* .......... 
* رجل واحد في جمهورية بوركينافاسو صبر عقوداً من الزمان يعلم أبناء المسلمين القرآن الكريم تحت شجرة كبيرة، وبدون إدارة ولا مكتب ولا سكرتارية ولا كمبيوترات ولا مكيفات، فحفظ على يديه القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة طالب، حسب اللقاء الذي أجرته معه مجلة البيان السعودية.
* ...........
* رجل من عوام الناس في عدن ليس من الأغنياء ولا من الوجهاء ولكنه يمتلك ثقة الناس به استطاع أن يبني عشرات المساجد في طوال البلاد وعرضها خلال العقود الماضية.
* ..........
* شاب في إحدى القرى يحفظ فقط خمسة أجزاء من القرآن الكريم حفظا متقنا وهو ضابط لأحكام التجويد، تخرج على يديه أكثر من عشرين حافظا لكتاب الله تعالى، بعضهم اليوم أئمة مساجد في السعودية، ولا يزال مستمراً في مشروعه تاركاً بصمته وآثاره، دون زحام أو ضجيج.
* ......
* امرأة أكملت فقط الصف التاسع قررت أن تقضي على الأمية في قريتها، واستقطعت قليلاً من وقتها كل ليلة لتنفيذ مشروعها في تعليم نساء وبنات قريتها القراءة والكتابة ومبادئ العلوم الشرعية، حتى لم تكد تبقى في القرية أمية واحدة، ولا تزال مستمرة في مشروعها تاركة لبصمتها.
* ......
* موظف في إحدى الشركات أوقف من راتبه شهرياً (مائة ريال سعودي) فقط ليكفل بها حلقة واحدة لتحفيظ القرآن الكريم، يتعلم من خلالها أبناء المسلمين كتاب ربهم، وقصص الأنبياء، والسيرة النبوية، والأدعية والأذكار، ومبادئ العلوم الشرعية. ليمضي في حياته اليومية وله بصمة في هذه الحياة.
* والأمثلة كثيرة وكثيرة وكثيرة..
* ............
* وأنت أيضاً تستطيع أن تطلق مشروعك وتترك بصمتك وتقوم بواجبك نحو دينك وأمتك، ولكن بعد أن تتخلص من السلبية والخمول والإحباط والتذمر ولعن الظلال وشكاية الزمان والتألم من الظروف، حين تكون إيجابيا طموحا متفائلاً واثقاً، لا تشغلك مشاريعك الخاصة واحتياجاتك الذاتية عن مشروع الأمة الكبير، فقط تحرر من الوهم والعجز، وامتلك روح المبادرة والمحاولة وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده واستمطر رحمته وعونه وتأييده.
* فالأمة اليوم تحتاج إلى المشاريع، ففكر بعمق ووعي.. 
* ماالذي يمكنك أن تفعله، وتقدمه في حياتك الدنيا لتجده عند الله يوم القيامة، ينزلك الله به منازل المجاهدين في سبيله الذابين عن شريعته الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
* اللهم استعملنا ولا تستبدلنا.