غارات جوية وتدمير سفن واختطاف ورفع عقوبات.. اليمن في 2024 مأساة إنسانية

غارات جوية وتدمير سفن واختطاف ورفع عقوبات.. اليمن في 2024 مأساة إنسانية

(الأول) القسم السياسي:

شهد العالم عامة واليمن خاصة خلال عام 2024م الكثير من الأحداث، فعالميًا تصدرتها غزة ولبنان وإسرائيل وسوريا، فمن استمرار الحرب على فلسطين في غزة، واغتيال إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، إلى تداعيات الحرب على لبنان، وقيام إسرائيل بضرب البنية التحتية والعسكرية لحزب الله واغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وقتل أغلب قادة الحزب، ناهيك عن تفجيرات أجهزة الاتصال (البيجر)، إلى سقوط نظام الأسد في سوريا، وقيام إسرائيل بتدمير أسلحة الجيش السوري بضربات جوية، ونجاح ترامب في الانتخابات الأمريكية، وتفاقم أزمة الملاحة في البحر الأحمر، وتوسع مجموعة بريكس.. أما على مستوى اليمن فسنتناوله في هذا الحصاد:

إخفاق سياسي
وعلى الصعيد السياسي، كان العام 2024 هو الأقل حراكاً على صعيد المفاوضات الأممية الرامية للتوصل إلى حل ينهي أزمة البلاد، على الرغم من إعلان مبعوث الأمم المتحدة، هانز غروندبرغ، أواخر العام الماضي، التزام الأطراف اليمنية بمجموعة تدابير ضمن "خريطة الطريق"، تتضمن وقف إطلاق النار وإصلاحات اقتصادية وإنسانية، تمهّد لعملية سياسية شاملة.
ومثّل انخراط ميليشيا الحوثيين، في الصراع الإقليمي، عقبة كبرى أمام خطوات السلام في اليمن، في ظل تغيّر التعاطي الدولي مع الحوثيين، الذين يواصلون هجماتهم على ممرات الملاحة الدولية وإسرائيل، وسط إصرارهم على فصل مسار عملياتهم العسكرية التي يقولون إنها "مساندة لغزة"، عن مسار الأزمة اليمنية، وهو ما حال دون استمرار الجهود المبذولة في هذا الجانب.
ومع إخفاق الجهود الأممية في إعادة تحريك المياه السياسية في البلد، قال غروندبرغ، أواخر العام، إن فرص تطبيق "خريطة الطريق" عُلّقت، بسبب الأزمات الإقليمية، وإن اليمنيين لا يمكنهم الانتظار إلى ما لا نهاية، قبل انزلاق بلدهم مرة أخرى في دوامة الحرب.
وخلال شهري نوفمبر وديسمبر، شهدت العاصمة السعودية الرياض، سلسلة لقاءات دبلوماسية لمجلس القيادة الرئاسي، مع وفود دولية وإقليمية، لمناقشة المتغيرات الإقليمية والدولية المحتملة، على ضوء نتائج الانتخابات الأمريكية، والخيارات المطروحة لدفع الحوثيين نحو التعاطي الجاد مع الجهود المبذولة لإطلاق عملية سياسية شاملة تحت رعاية أممية.
وكانت الولايات المتحدة، صنفت الحوثيين مطلع العام، كجماعة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص، وفرضت عقوبات على الكيانات والأفراد المرتبطين بعمليات تمويلهم، وتبعتها بعد ذلك، كل من أستراليا وكندا ونيوزيلندا.
وشهد العام 2024، رفع مجلس الأمن الدولي، عقوباته المفروضة على الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، ونجله أحمد، بعد 10 سنوات من فرضها عليهما مع عدد من القادة الحوثيين.

تصعيد عسكري محليًا
عسكرياً، استمر انخفاض القتال على الصعيد المحلي، باستثناء هجمات متقطعة شنتها ميليشيا الحوثيين ضد القوات الحكومية، في عدة جبهات قتالية، لكن في المقابل، ارتفعت وتيرة عملياتهم العسكرية تجاه السفن التجارية ونحو إسرائيل؛ إذ أعلن الحوثيون قبل أكثر من أسبوع، استهداف 211 سفينة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المنصرم، بواسطة 1170 من الصواريخ والمسيّرات والزواق المفخخة.
وفي يناير/كانون الثاني، بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عمليات عسكرية جوية وبحرية على مواقع تابعة للحوثيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، بهدف حماية حرية الملاحة الدولية، لتستمر على مدى أشهر العام بضربات أمريكية، وسط استمرار هجمات الحوثيين على السفن وأصول البحرية الأمريكية في البحر الأحمر.
وعلى نحو غير مسبوق، شنّت إسرائيل هجومها الأول على اليمن، في يوليو/ حزيران، رداً على الهجمات الحوثية، مستهدفة ميناء الحديدة الاستراتيجي وخزانات النفط المستورد فيه؛ ما أدى لاندلاع حرائق كبيرة، قبل أن تتلوها 3 عمليات أخرى، إحداها في سبتمبر/ أيلول، واثنتان منها خلال ديسمبر/ كانون الأول، طالتا بنى تحتية في صنعاء والحديدة، تقع تحت سيطرة ميليشيا الحوثيين.
في غضون ذلك، كثّف الحوثيون خلال ديسمبر/ كانون الأول، من عملياتهم العسكرية الصاروخية وهجمات الطيران المسيّر، ضد أهداف مختلفة في إسرائيل، بواقع 21 عملية هجومية، وسط تصاعد التوتر، وتوعد القادة الإسرائيليين بعمليات واسعة في اليمن، لاجتثاث الحوثيين وقطع رؤوس قياداتهم وضرب بنيتهم التحتية، مهددين صنعاء والحديدة، بمصير مشابه لغزة ولبنان.
وعلى إثر التطورات الإقليمية والضربات الموجعة التي تلقتها الأذرع الإيرانية في المنطقة، تتأهب ميليشيا الحوثيين لعملية عسكرية دولية مرتقبة، في ظل قدوم إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران، وتعامله الحازم فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية، خاصة مع مساعي إسرائيل لتشكيل تحالف دولي موسع لضرب الميليشيات في اليمن.

الصراع بين الحوثيون وإسرائيل
من أبرز محطات 2024م الصراع بين الحوثيين وإسرائيل، حيث سلك الحوثيون مسارًا تصعيديًا على مدى العام بتنفيذ هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر بصواريخ ومسيرات من مناطق سيطرتها، واعتبرت هجماتها موجهة ضد السفن المرتبطة بإسرائيل على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة، وأدت إلى إجبار شركات شحن دولية إلى تغيير مسار سفنها، وردا على هجماتهم نفذت أميركا وبريطانيا عدة ضربات مشتركة منذ بداية يناير على مواقع الحوثيين التابعة لهم في اليمن.
وتتبادل الطرفان الهجمات الصاروخية، وكانت للمرة الأولى تشن إسرائيل وبشكل مباشر في 20 يوليو غارات على الحوثيين مستهدفة موانئ على البحر الأحمر ومحطات كهرباء ومستودع وقود ومنشآت تكرير النفط في الميناء وآخرها الهجوم الرابع على مطار صنعاء الدولي، ذلك ردا على هجومهم على إسرائيل، وهاجم الحوثيون إسرائيل أكثر من مرة باستخدامهم مسيرات وصواريخ فرط صوتية.

غارات أمريكية بريطانية
شهدت مناطق الحوثيين موجة من الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا، استهدفت مواقع الحوثيين، أو عملية (رامي بوسيدون) كما تسمِّيها الولايات المتحدة الأمريكية، هي سلسلة من الغارات الجوية والضربات بصواريخ كروز تشنَها القوات الأمريكية والبريطانية في اليمن منذ فجر يوم الجمعة 12 يناير 2024 وحتى الآن فجر آخر يوم من عام 2024 31 ديسمبر على عدة محافظات يمنية تقع تحت سيطرة الحوثيين. ردًّا على هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل أو ما يعرف بأزمة البحر الأحمر خلال الحرب الفلسطينية الإسرائيلية بهدف الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة الذي قُتِل فيه أكثر من 30 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال.

انهيار اقتصادي
اقتصادياً، كان العام 2024 الأكثر تحدياً، في ظل تضاؤل إيرادات الحكومة اليمنية، وتخلفها عن سداد مرتبات موظفي قطاعات الدولة، إثر استمرار توقف تصدير النفط الخام للعام الثاني توالياً، عقب هجوم الحوثيين على موانئ تصديره؛ وهو ما كبد البلاد خسائر قدرتها السلطات الشرعية بنحو 6 مليارات دولار.
وسجلت العملة الوطنية انهياراً قياسياً أمام العملات الأجنبية؛ إذ وصل سعر الدولار الأمريكي في نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى 2075 ريالاً؛ ما تسبب في مضاعفة تردي الأحوال المعيشية، وسط تهديد انعدام الأمن الغذائي الشديد لنحو 49% من السكان.
وشهد العام تصعيداً اقتصادياً بين الحكومة اليمنية وميليشيا الحوثيين؛ إذ ألغى البنك المركزي اليمني المعترف به دولياً في عدن، تراخيص 6 بنوك تجارية محلية، بعد فشلها في نقل مراكزها الرئيسة من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، الذين قابلوا ذلك بحظر التعامل مع 13 بنكاً في مناطق نفوذ الحكومة، كما اختطفوا 4 طائرات تابعة لشركة الخطوط الجوية اليمنية، في محاولة لثنيها عن قرار تحويل إيراداتها المالية إلى عدن والخارج.
ونتيجة لضغوط إقليمية ودولية، توصل الطرفان برعاية أممية في يوليو/حزيران، إلى اتفاق "خفض التصعيد" الاقتصادي، ألغيت بموجبه الإجراءات الأخيرة، واستؤنفت الرحلات الجوية بين صنعاء وعمّان، كما نص الاتفاق على عقد اجتماعات لمناقشة القضايا الاقتصادية والإنسانية، غير أن هذه المشاورات لم يكتب لها النجاح حتى الآن.

رفع العقوبات عن الرئيس الراحل صالح ونجله
إثر جهود رئاسية يمنية ودعم سعودي وإماراتي، قررت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي إزالة اسمَي الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح ونجله أحمد من قائمة العقوبات التي كانت قد فُرضت عليهما مع قادة حوثيين منذ نحو 10 سنوات.
وقال بيان بثّه موقع الأمم المتحدة على الإنترنت إن لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن المنشأة بموجب القرار 2140 أزالت الإدخالات الخاصة بالأفراد والكيانات لكل من الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ونجله أحمد علي من قائمة العقوبات.

احتجاز موظفين المنظمات دولية
اعتقل الحوثيون في مناطق سيطرتهم في شمال اليمن ما لا يقل عن 27 موظفًا، أربع نساء و23 رجلًا، يعملون في وكالات الأمم المتحدة وما لا يقل عن سبع منظمات مجتمع مدني محلية ودولية وأخذتهم من منازلهم أو مكاتبهم.
وقد اتهم الحوثيون الموظفين اليمنين التابعين لبرنامج الغذاء العالمي والمعهد الديمقراطي الوطني، وغيرهما بالتجسس.

مصفاة عدن
في يوليو قررت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في عدن استعادة نشاط شركة مصافي عدن، كمنطقة حرة، القرار يتيح لشركة مصافي عدن ممارسة نشاطها وفقا لنظام المنطقة الحرة وتقع ضمن المنطقة الحرة عدن.

الوضع العام خلال العام
تراجع الأمل في إنهاء الحرب باليمن المستمرة منذ عقد من الزمان، ألقت التشابكات والمواقف الدولية بضلالها على الملف اليمني، وأجلت توقيع خارطة الطريق للسلام التي لم تعد قابلة للتنفيذ بعد أن أعلن عنها مع نهاية 2023م وتنص على التزام الحكومة والحوثيين بحزمة تدابير تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار وتحسين ظروف معيشة المواطنين في عموم البلاد.